المنتصف القاتل!
أحيانا نتوقف عند عتبة العمر، في فصل من فصول الحياة، نعيش خريف العمر ونحن في ربيعه، نتوقف طويلا، عاجزين عن تجسيد نبض قلوبنا في الحياة.
نقف حالمين ثائرين بصمت متقن ،ننظر للحياة بعيون جاحظة وندية. نرغب بالعودة إلى الوراء، كما نرغب الهرولة إلى الأمام.
إلا أننا لا نسمع إلا بصوت يهمس في آذاننا بجبروت هادئ: أهلا بك فأنت في المنتصف القاتل!
لم نصل إلى هذا المنتصف من العبث، وصلنا بعد أن باءت محاولات إنعاش علاقاتنا التي فقدت كل مقومات الحياة من ثقة ومحبة وصداقة بالفشل. بعد أن أدت محاولات ربطها بأجهزة الإنعاش إلى انتكاسات كبيرة،استنزفت كل طاقاتنا وقدراتنا لإكمال مسيرتنا..
بعد أن اغتصبت الأرواح وتهمشت إلى حد الاندثار لتنتهي به إلى كتلة من الظلام في الفراغ العبثي وتفكيكه من الجسد الذي فقد بدوره كل مكوناته وتحول لمجرد مادة قابلة للانحلال .. حيث فقد قيمته الفكرية والثقافية، وتجرد عن كل وظائفه الحيوية والنفسية.
هكذا تكون النتيجة الفعلية والخفية عندما تتكون العلاقات على أسس غريزية أو مصالح مشتركة أو حين نتوهم بالحب، الذي ينطفئ فيه البريق، ويفقد الشغف والدهشة ،ويتحول إلى روتين ممل عند أول عملية إشباع، لينتهي إلى علاقة منبوذة من الطرفين بعيدا عن الأنظار، ونتحول إلى غرباء في الروح لا يجمعنا إلا سقف وجدران باردة.
بعكس العلاقات التي تتكون على أسس إشباع الفكر والحواس، والعقل الذي يتوق إلى اكتشاف كل جديد في مختلف مراحل العمر، واستيعاب كل التناقضات بتوافق فكري وروحي، وتناغم جسدي، الأمر الذي يجعل من الحياة متعة بكل تفاصيلها، من جمال وقبح، سعادة وحزن.
تنعدم فيه قيمة الزمن، وتسمو إلى الإنعتاق من المادة،منذ بداية الصبا وصولا إلى بداية الشيب انتهاءً إلى بداية النهاية.
الحياة ليست كريمة لتعطينا حياة ثانية نحياها بتوافق روحي وسلام داخلي.
أن نهجر علاقة ما ليست النهاية
هي بداية جديدة حيث تترسخ فيها تجاربنا ودروسنا من الحياة،لننطلق بانطلاقة جديدة، ونحول أحلامنا وتطلعاتنا إلى واقع ملموس.
أن تفشل في العلاقة، لا يعني أنك فشلت في الحياة،العلاقة الفاشلة ليست قدرية.
الفشل الحقيقي هو الهروب من المواجهة، والخوف من العادات والمجتمع الذي لم ولن يأبه لسعادتك أو لتعاستك.
الفشل الحقيقي هو الاستمرار في الإتكالية وعجزنا عن الاستقلالية، التي ندفع ثمنها حياة ،ندفع ثمنها ترسبات العمر الذي حفر بعمق على أجسادنا وأرواحنا.
عندما تتبعثر حياتك في أزقة ودهاليز الذاكرة، وتغدو أطيافا من الخيال، متناثرة على أرصفة الزمن، لا تحاول ترتيبها، بل اتركها متناثرة كأوراق الخريف الذي هرمت وتخلت عنها جذورها لتنبت من جديد
لقد وعدتها الطبيعة بالأجمل… وأقوى العبر وأجملها تأتي من الطبيعة..
ولتكون هذه العبر صادقة، يكفي أن نراقبها بصمت متقن…. …
ميرنا غالي
راااائعة الكلمات
ميرنا غالي تثبت يوما بعد يوم انها من مصاف الاقلام المبدعة