أوباما في الدقائق المتبقية …. وسياسة التقاط الأنفاس
بعد فشل التعويل على معركة حلب، انتقلت أنظار الدول المعادية لسورية إلى معركة تدمر التي يروّجون لها بالتزامن التركي في منطقة الباب، وانتشار شائعات حول محاولات قيد الولادة لفتح الجبهة الجنوبية من جديد، مما يعني أن الدول التي تقود الهجمة ضد سورية ما زالت في قمة قوتها وإرادتها في استمرار التخطيط الممنهج لتدمير سورية، حيث تنبع أهمية معركة تدمر لكونها تفتح الانتصارات السورية في مدينة تدمر الباب أمام الجيش السوري للوصول إلى مناطق في شرق سورية، وهو ما يؤهله لاستعادة البادية من داعش وصولًا إلى الحدود السورية العراقية شرقًا، أي مساحة تصل إلى 30 ألف كيلو متر مربع، أن استعادة مدينة تدمر ستفتح الطريق إلى الرقة ودير الزور، وتهيئ الظروف للسيطرة على حدود العراق.
يعيش أوباما أيامه الأخيرة برفقة إدارته على فراش الأمل في تحسين صورتهم بالرمق الأخير، إذ أن المتغيرات الأخيرة كتحرير حلب، وبدء معركة تدمر والباب تركت أثارها على كافة الصعد وبالنسبة لشتى الدول المرتبطة بالأزمة السورية.
اتسم الموقف الأمريكي بالتخبط والتناقض حيال المستجدات على الساحة السياسية السورية بدليل ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مارك تونر، إن الولايات المتحدة تدعم جميع الجهود الرامية إلى مكافحة جماعة داعش، لكنها لا تنوي الترحيب بهجوم القوات الحكومية السورية على مدينة تدمر، وأضاف: “إنني لن أرحب بذلك، موضحًا أنه من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن عمليات دمشق ضد المعارضة هي التي أسفرت عن تقوية شوكة الجماعة الإرهابية في الأراضي السورية، على حد تعبيره”، في الوقت نفسة أكّد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش يشكل أولوية قصوى بالنسبة لإدارته، وأنه سيواصل قتال التنظيم حتى طرده من سورية والعراق وحتى تدميره تمامًا، وهنا ندرك حجم التخبط الذي اكتسى الموقف الأمريكي لنستدل منه على حقيقة مفادها إن انتصار حلب قلب المعادلات الأمريكية رأساً على عقب، وأن هناك حالة من الغضب الأمريكي حول التقدم الإيجابي الذي يصب في مصلحة الدولة السورية شعباً وقيادة، لذلك لابد من حركة ما تعيد التوازن للأدوات الأمريكية في سوريا، وتحقق حدثاً ما يصب في خانة أمريكا التي فشلت في التعامل مع الملف السوري على حد اعتراف أوباما الصريح بذلك.
اضطرت القوات السورية إلى الانسحاب من مركز مدينة تدمر وخوض القتال في المناطق المحيطة في فترة البداية في حين أن هجمات الإرهابيين قبل يوم فقط تم صدها بنجاح، ومني “داعش” بالهزيمة بفضل العمل المنسق بين القوات السورية والقوة الجو- فضائية الروسية كما جاء في صحيفة “فزغلياد”، مما استدعى السؤال عن التغيير الفجائي الذي حصل أنداك ألا وهو تدخل “الحسابات الاستراتيجية الخالصة” لإدارة أوباما.
ذكر المركز الروسي للمصالحة أن إرهابيي “داعش” نقلوا عدة ألوف من المسلحين من مدينة الموصل إلى منطقة الرقة ودير الزور بهدف التقدم نحو مدينة تدمر. وأشار المركز الروسي إلى أنه “بعد إعادة التجميع، حاول أكثر من 4 آلاف مسلح من تنظيم “داعش” احتلال مدينة تدمر”.
ومن النقاط الحاسمة التي جسّدت المحاولات المستمرة للطرف الأمريكي في فتراته الأخيرة لإعادة الاعتبار أنَّ المجموعات المسلحة الخاضعة للولايات المتحدة والتحالف الدولي علقت بالتزامن مع بداية معركة عملياتها العسكرية ضد إرهابيي “داعش” في منطقة الرقة، ونجم عن ذلك أن الإرهابيين نقلوا من مدينة الرقة إلى تدمر قوة لا يستهان بها، هذا إضافة إلى الاحتياطيات الكبيرة من العربات المدرعة وغيرها، والتي جيء بها من منطقة دير الزور، ولذا خاضت القوات الحكومية السورية معارك ضارية مع مسلحي التنظيم على مشارف تدمر.
من جهة تعتقد أمريكا أن سيطرة “داعش” على تدمر تحقق لها وللتنظيم قطع خطوط امداد مهمة للجيش السوري وحليفه حزب الله نحو العراق تحديداً، كذلك يؤمن “داعش” المعابر الحدودية مع محافظة الانبار في العراق ومناطق خلفية للإسناد والتموين والامداد والانسحاب، إضافة إلى تشكيل مركز انطلاق (مستقبلي) كبير وآمن يمكن ان يتخذه التنظيم كنقطة انطلاق ثابته لفتح جبهات جديدة في حمص والقلمون غربا، ومن ثم دمشق، والأهم تهيئة “داعش” لسيطرة على كافة المعابر الحدودية مع الأردن في الجنوب السوري.
ومن جهة أخرى أصبحت داعش محاطة بالأخطار ومضطرة للتحرك لكونها تقاتل داعش على أكثر من جبهة في العراق وسوريا، وتأتي معركة الموصل لتكشف ظهر تنظيم “داعش” الإرهابي بعدما اقترب وصول الحشد الشعبي والجيش العراقي الى الحدود السورية، وبعدما أصبحت البشمركة الكردية شرقاً في وضع هجومي ولا يمكن للتنظيم التقدم الى مناطقهم لاتخاذها ملجأ له، وهذا ما أدخل التنظيم في معركة دفاعية وتراجع مستمر في سوريا بعد العراق.
هكذا كانت خطة أمريكا الجديدة تكمن بالإسراع في إعادة تنظيم صفوف المسلحين، وشن هجوم للسيطرة على تدمر مدعوم أمريكياً مالياً إعلامياً عسكرياً، وبالفعل تمكن المسلحين من السيطرة على قلعة الأمير فخر الدين المعني في تدمر التي تمكنهم من رؤية تدمر كلها ومحيطها من جهة، ومن جهة ثانية تتمثل في إجبار الإرهابيين على الهرب من العراق عبر الهجوم الذي شنه الجيش العراقي، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الموصل، وكذلك خروج الإرهابيين من الموصل بحرية مطلقة وعبور الحدود السورية، من دون أن يتعرضوا لأي ضربات جوية من قبل قوات التحالف، حيث أن قوات التحالف منحت إرهابيي “داعش” الفرصة للخروج من الموصل، حيث يعزى ذلك لرغبة الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة أوباما في تحقيق أي نتائج كانت في مجال “مكافحة الإرهاب” من أجل الإعلان عنها، حيث تستخدم الإرهاب كذريعة تخفي تحت ستارها نواياها الحقيقية، وللتنقل بحرية حسب متطلبات مخططاتها في سوريا لكون هدفها الأساسي هو سوريا الدولة المقاومة للمشروع الصهيوني التي تهدد استمراره بالمنطقة العربية، لذا إن الحرب حرب إعلامية ناجحة ضد “داعش” ليس أكثر في حين أن الحرب الأمريكية بحقيقة الأمر ضد الدولة السورية قيادة وشعباً.
البعث ميديا|| أ. ساعود ساعود