سلايدعربي

نيويورك تايمز: التقشف الذي فرضه آل سعود لا يشمل الأمراء

خلف جدار طويل يحيط به، تلفه كاميرات المراقبة ويحرسه الجنود المغاربة، يرتفع القصر الجديد مترامي الأطراف للملك «سلمان» هنا على شاطئ الأطلسي.

وحتى مع إلغاء السعودية مشروعات بقيمة ربع تريلليون دولار كجزء من برنامج التقشف المالي داخل البلاد، لا يزال العمال يواصلون الإنشاءات في منصة هبوط طائرات الهيلوكوبتر ويواصلون نصب خيمة بحجم السيرك لاستيعاب الملك وضيوفه وحاشيته الضخمة.

تأتي ثروة العائلة المالكة السعودية من احتياطات النفط المتضخمة المكتشفة في عهد والد «سلمان»، الملك «عبد العزيز بن سعود»، منذ أكثر من 75 عاما. يوفر بيع النفط عائدات بقيمة مليارات الدولارات تستفيد منها العائلة المالكة على هيئة مكافآت سنوية ووظائف اسمية في القطاع العام. كما أن الأكثر ثراء منهم يتملكون قصورا فرنسية وتخبأ أموالهم في البنوك السويسرية. في حين ترتدي النساء منهن الفساتين الراقية أسفل العباءات، وتمرحن على أكبر اليخوت في العالم بعيدا عن أنظار العوام.

يعتبر الملك «سلمان» رئيسا لمؤسسة النشاط التجاري للعائلة المالكة والتي تعرف بشكل غير رسمي باسم «آل سعود وشركاه». وأدى الانخفاض الكبير في أسعار النفط إلى صعوبات اقتصادية وطرح أسئلة حول إذا ما كان الآلاف من أعضاء الأسرة الحاكمة سوف يمكنهم الحفاظ على نمط الحياة الفخم في الوقت الذي يحكمون فيه سيطرتهم على البلاد.

«الناس لديهم الآن أموال أقل من ذي قبل، ولكن الوضع لم يتغير بالنسبة للعائلة المالكة»، كما يؤكد الأمير «خالد بن فرحان آل سعود»، عضو منشق عن الأسرة يعيش في ألمانيا. ويضيف: «هناك الكثير من أموال الدولة يتم حجبها عن الميزانية وتحدد من قبل الملك وحده».

هذه أوقات قلق للعائلة المالكة، التي يرأسها ملك يبلغ من العمر 80 عاما أصيب بالجلطة مرة واحدة على الأقل، ومن المرجح أن يكون الأخير الذي يصل للعرش من بين أبناء الملك المؤسس. ويجب عليه التعامل مع عصبة من الأقارب الذين تعودوا على تلقي الامتيازات منذ ولادتهم.

في كتابه الذي أقره منذ عامين تقريبا، قلب الملك «سلمان» تقاليد الخلافة وخلق الانشقاقات بعد تجاوز عدد من أخوته لوضع الجيل القادم، نجل شقيقه ونجله، على سلم العرش. وقد أطاح في ذلك بأعضاء كثر من سائر فروع الأسرة من حكم المناطق ومقاعد الوزارة العليا من أجل تركيز السلطة. ولكنه بذلك زرع بذور الاستياء بين عدد من أعضاء الأسرة المطالبين بالوحدة.

وفي حين تواجه البلاد مشاكل خطيرة خارج حدودها مثل الحرب في اليمن والعنف في العراق وسورية، وجرأة إيران والمشاكل الاقتصادية التي تؤرق المواطنين العاديين الذين تم خفض امتيازاتهم، فإن أفراد الأسرة الحاكمة يخشون من الكشف عن أي معلومات حول ثرواتهم التي يمكن أن تثير انتقادات علنية.

وقد ظلت عائدات شركة النفط الوطنية لفترة طويلة شريان الحياة للإنفاق الحكومي. وقاوم عدد من أفراد الأسرة اقتراح نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» بخصخصة الشركة جزئيا خوفا من أن إدراجها على قوائم البورصات العالمية في لندن ونيويورك سوف يجلب الرقابة على الشركة ويقلل من تدفقات الأموال للعائلة المالكة.

دفع هذا القلق بعض أفراد العائلة المالكة لاستكشاف بدائل للخصخصة، على الرغم من تأكيد المسؤولين السعوديين أن الخطة لا تزال قائمة.

ومع مواجهتها لعجز كبير في الميزانية، قامت الحكومة بخفض رواتب القطاع العام جنبا إلى جنب مع الدعم، كما قامت برفع فواتير البنزين والكهرباء والمياه. وبدأت المملكة في اقتراض المليارات من الداخل والخارج. وقلصت الحكومة من خطط التوظيف في القطاع العام، مما زرع الخوف من المستقبل في نفوس الشباب العاجزين عن الحصول على فرص عمل.

تشارك العائلة المالكة الألم، وفقا لـ«أنس القصير»، المتحدث باسم وزارة الثقافة والإعلام الذي قال أن مخصصاتهم خفضت. ولكن هناك بعض الأمراء على الأقل لم تمس مخصصاتهم وفقا لتأكيدات عدد من السعوديين المقربين من الأسرة الحاكمة.

«تحت حكم الملك سلمان بدا أن الأمراء يتمتعون بالكثير من المميزات ولم يتم المساس بمخصصاتهم الأساسية»، وفق ما يؤكده «ستيفن هيرتوج»، وهو أستاذ مشارك في كلية لندن للاقتصاد الذي كتب كتابا عن الاقتصاد السياسي للمملكة العربية السعودية بعنوان: «الأمراء والسماسرة والبيروقراطيون».

بعض أفراد العائلة المالكة السعودية لا يزالون ينفقون ببذخ. تؤكد «دانيا سينو» وكيلة عقارات في فرنسا أن العديد من أفراد الأسرة اشتروا عقارات في باريس خلال العام الماضي. وقالت إنها باعت مؤخرا شقة بمساحة 11 ألف قدم مربع لأحد الأمراء السعوديين بقيمة 30 مليون دولار.

يمتلك الملك «سلمان» بالفعل حيازات كبيرة في فرنسا. وتظهر سجلات الممتلكات هناك أنه يملك عشرات الشقق في الدائرة 16 في باريس تقدر قيمتها بأكثر من 35 مليون دولار. وهو يمتلك أيضا قصرا فاخرا في شاطئ لازور في فرنسا وقصرا على شاطئ دي سول في ماربيا باسبانيا.

 

وبطبيعة الحال فإن الملك لا يفتقر إلى الممتلكات في بلاده، مع وجود شبكة واسعة من القصور الفارهة الممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج. ولكن المنتجع في طنجة يبدو أنه مأواه المفضل في الوقت الحالي.

خلال زيارته هذا الصيف، كانت هناك مئات من سيارات مرسيدس سيدان ورينج روفر ضمن الموكب الملكي تنتظر في جميع أنحاء المدينة. ويضم مجمع القصور المرافق الطبية الخاصة ومطاعم فارهة تستقبل الكافيار وجراد البحر والكمأ جوا من فرنسا.

وكان على العديد من الموظفين أن يتركوا هواتفهم عند البوابة منعا لتسريب الصور. لكن «مجتهد»، المغرد الذي يكتب تحت اسم مستعار على تويتر، غرد لمتابعيه بتفاصيل حول البناء والسيارات الفاخرة وفنادق الخمسة نجوم للوفد المرافق. وقال «القصير» في بيان له أن كافة التكاليف تمت تغطيتها على حساب الملك الشخصي وليس على نفقة الحكومة.

وقال بعض أفراد طاقم الخدمة، لم يفصحوا عن هويتهم، أنهم قاموا بتسليم هوياتهم من أجل الحصول على مكافأة سخية وهي رحلة مجانية للحج إلى مكة المكرمة.

مملكة النفط

منذ البداية، كان العقد الاجتماعي بين الملوك والشعب أشبه بصفقة تجارية: حصة من ثروة البلاد في مقابل الحكم المطلق من قبل الملوك. وصف مراسل مجلة لايف عام 1943 كيف أغدق الملك «عبد العزيز بن سعود» عدة قطع من الذهب على راع للجمال مر به أثناء توقف موكبه. في الرياض، كان الملك يدعم مطبخا لطهي الحساء للفقراء له فرن وصفه المراسل آنذاك أنه يسع جملا بأكمله.

ولد «سلمان بن عبدالعزيز» في عام 1935، بعد ثلاث سنوات فقط من إعلان والده للدولة الجديدة. استقرت شرعية الدولة الجديدة على ركيزتي العائلة المالكة وحلفائها من رجال الدين الوهابيين. ووفر النفط الذي تم اكتشافه شرقي البلاد عام 1938 مصدرا متناميا للتمويل لكل منهما.

دخل الملك «عبد العزيز» في العديد من الزيجات (له 17 زوجة معروفة) من أجل تعزيز تحالفه مع القبائل العربية. وقد أنجب ما لا يقل عن 36 ابنا. ويعتقد أن «سلمان» هو الابن رقم 25 لوالده. وهو أحد المحظوظين ضمن هذه الذرية مترامية الأطراف نظرا لأن والدته كانت الزوجة المفضلة للملك «عبد العزيز»، حيث حظي أبناؤها السبعة على وجه الخصوص بسلطة خاصة.

وعلى النقيض من الجلباب وغطاء الرأس التقليدي اللذان يرتديهما الملك «سلمان» اليوم، فإنه يظهر في صورة مبكرة على هيئة شاب متأنق يرتدي بذة غربية. ومع كونه حاكما للرياض على مدار أكثر من نصف قرن، فقد حول البلدة الصحراوية إلى حاضرة يقطنها ملايين البشر جنبا إلى جنب مع ناطحات السحاب والطرق السريعة والقصور الفخمة للأمراء.

وأدت الصدمة العالمية من الحظر النفطي الذي فرضته السعودية عام 1973 إلى ارتفاع أسعار النفط وتدفق العائدات على البلاد. وعلى الرغم من فرضها التزاما صارما بالإسلام على رعاياها فقد أصبح بعض الأمراء السعوديين ضيوفا دائمين على عواصم المتعة العالمية مثل مونت كارلو.

من خلال العشرات من المقابلات مع الدبلوماسيين والمديرين الماليين والاقتصاديين ووكلاء العقارات والسفر والديكور وأعضاء مجلس النواب السعوديين، نجحت «نيويورك تايمز» في تجميع قدر كبير من التفاصيل حول إنفاق العائلة المالكة.

يحاط الحجم الحقيقي لثروة العائلة بجدار كبير من السرية. يتم تقسيم المال بين العديد من الأقارب وينتشر في عدة قارات ما يجعل حسابه صعبا للغاية. تم تصميم آلية التمويل كي تكون غير شفافة ولا تكشف عن حصة الموازنة التي يتم تحويلها إلى الخزائن الملكية.

ونتيجة للإزعاج المستمر من الصحف العالمية فقد تعلم أفراد العائلة المالكة كيف يخفون ثرواتهم عن العوام. أقام أفراد الأسرة أسوارا عالية حول قصورهم واشتروا أصولا في الخارج عبر شركات وهمية واستخدموا وسطاء للاستثمارات الكبيرة.

 

وكشفت وثائق بنما الصادرة في نيسان الماضي أن الملك «سلمان» شارك في شراء شركات خارجية في لوكسمبورغ وجزر فيرجن البريطانية. كما ربطت السجلات اسمه بملكية يخت وعقارات بملايين الدولارات في لندن أحدها منزل مهيب قرب حديقة هايد بارك في حي مايفير توني.

بالنسبة لنصيب الفرد من الناتج القومي، فإن المملكة العربية السعودية ليست على ذات القدر من الثراء مثل قطر أو الكويت بسبب التفاوت الكبير في أعداد السكان. وعلى الرغم من شبكة الأمان القوية للتعليم والرعاية الصحية، لا يزال هناك العديد من الفقراء في السعودية، ناهيك عن الطبقة الوسطى التي تكافح بالكاد لتغطية نفقاتها.

يمكن للأمراء والأميرات الاستفادة من الميزات الخاصة مثل الأجنحة الخاصة في المستشفيات والفنادق الفارهة ومهابط الطائرات الملكية. ولكن حتى بين أفراد العائلة المالكة، هناك اختلافات كبيرة بين ورثة الملوك وأبناء عمومتهم المهمشين. يعيش بعض الأمراء الصغار في منازل حداثية كبيرة، ولكنها ليست قصورا، في أحياء كاليفورنيا كما يقومون بركوب سيارات المرسيدس ورينج روفر مقارنة بلامبورجيني أو بوجاتي سوبر كارز التي يسيرها أبناء عمومتهم في المناطق الثرية من لندن.

تستمر صفوف العائلة المالكة في التضخم. لكل ابن من أبناء الملك المؤسس أبناؤه أيضا. الملك «سعود» وحده لديه 53 ابنا بحيث لا يكفي ملعب بكامل لاستيعاب ذرية الملك «سعود» وحده من الأبناء كما كتب دبلوماسي أمريكي في مذكرة في عام 2009.

يقدر عدد أمراء العائلة بالآلاف. وفق «جوزيف كشيشان» الذي درس العائلة المالكة على مدى 3 عقود فإن هناك ما بين 12 إلى 15 ألف أمير وأميرة. وقدرت الأميرة «بسمة» ابنة الملك «سعود» أعداد العائلة بقرابة 15 ألف أمير قبل 5 سنوات. لكن «القصير» يؤكد أنه لا يوجد أكثر من خمسة آلاف عضو ضمن أسرة آل سعود.

الغمس في النعم

يعتمد أعضاء العائلة المالكة على البدلات، والوظائف الحكومية والمراكز التجارية التي يحصلون عليها بحكم أنسابهم. ويؤكد أن السيد «كشينشان»، وهو زميل بارز في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض ،أن الطريقة التي توزع بها هذه الفوائد بخلاف الأقدمية والخبرة تبقى غير معروفة.

ويؤكد: «ما نعرفه أن العاهل السعودي لديه ميزانية نثرية يوزعها على مختلف أعضاء الأسرة لمشاريعهم، وأعمالهم وحياتهم».

ربما تمكننا من أخذ نظرة أقرب للأمور المالية داخل العائلة المالكة عندما منح مسؤول في سفارة الولايات المتحدة في الرياض وصولا غير مسبوق إلى مكتب القرارات والتنظيمات في وزارة المالية عام 1996. حيث لاحظ أن الموظفين «يقومون بتوزيع الأموال على رؤسائهم».

تراوحت الرواتب آنذاك من 270 ألف دولار شهريا لأحد أبناء الملك المؤسس إلى 8 آلاف دولار لأحد أحفاده. تم إنفاق ما بين مليون إلى 3 ملايين دولار كهدايا زفاف لبعض الأمراء. وقدر المسؤول آنذاك هذه المدفوعات، التي شملت مدفوعات لعائلات أخرى، بقرابة 2 مليار دولار بما يمثل 5% من ميزانية البلاد التي كانت تبلغ آنذاك 40 مليار دولار.

ويؤكد «القصير» أن إجمالي البدلات السنوية لا يتجاوز حاليا 10 مليارات ريال (2.7 مليار دولار) تذهب معظمها إلى زعماء القبائل والمحافظات وليس إلى أفراد العائلة المالكة.

«هؤلاء الذين على دراية بالتسلسل الهرمي الاجتماعي في السعودية يعرفون جيدا أن هؤلاء الآلاف من وجهاء القبائل والمحافظات ينفقون بشكل مباشر وغير مباشر أكثر مخصصاتهم على مئات الآلاف من البشر المسؤولين عنهم».

ونقلت المذكرة أن الملياردير السعودي الأمير «الوليد بن طلال» أخبر السفير الأمريكي أن عائدات مليون برميل من النفط يوميا تذهب إلى البرامج الخارجة عن الميزانية تحت سيطرة الملك وعدد من أمراء الصف الأول.

وقال مستشار لعدد من أعضاء الأسرة ومسؤول حكومي أمريكي سابق إن البرامج الخارجة عن الميزانية لا تزال قائمة رغم أنه لا يعرف حجمها بشكل دقيق. ويؤكد «القصير» أن كل عائدات شركة أرامكو يتم توجيهها إلى الموازنة العامة للدولة.

الخط الفاصل بين أصول العائلة والدولة يمكن أن يكون غير واضح. يصف مسؤولون أمريكيون في مذكراتهم تحويلات لمساحات كبيرة من الأراضي إلى أبناء الملك وأحفاده وأن الأمور يتم التعامل معها كلقمة سائغة. يمكن ببساطة لأمير أن يقوم بمد السور المحدد لأملاكه ليضم 30 ميلا مربعا آخر دون غضاضة.

كسب الأمير «بندر بن سلطان»، سفير لفترة طويلة إلى الولايات المتحدة، والأمير «عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز»، مئات الملايين من الدولارات من بيع الأراضي لمدينة مخططة حكوميا شمال جدة كانت لا تزال قيد الإنشاء وفقا لدبلوماسي أمريكي في مذكرة عام 2007.

وقد برر الأمير «بندر» الفساد المالي في مقابلة شهيرة له عام 2001 بالقول: «إذا كان بناء البلاد قد تكلف 350 مليار دولار من إجمالي 400 مليار دولار وأن هناك فساد بقيمة 50 مليار دولار فسأقول لك نعم إن هذا وارد». ويضيف: «ولكن ذلك يحدث في كل الأحوال».

نجح الكثير من أفراد العائلة المالكة في مجال الأعمال التجارية من خلال القيام بدور وكلاء حصريين للشركات الأجنبية في المملكة. وتشارك آخرون في شركات تعتمد على الإنفاق الحكومي وتزدهر على إعانات الدولة الكثيفة.

وخلص المسؤول الأمريكي إلى أنه «طالما تتعامل العائلة مع هذه البلاد على أنها مؤسسة آل سعود وشركاه، فمهما توسع عدد الأمراء فسوف يعتبرون أن حقهم الطبيعي هو الحصول على هذه المدفوعات الضخمة بحكم مشاركتهم في ملكية هذه الشركة الضخمة».

ومع نمو حجم الأسرة وعدد سكان البلاد بشكل عام يقول بعض المراقبين أن ميزان المكافآت صار من الصعب الحفاظ عليه.

«في المستويات العليا هم يعلمون أن عليهم أن يتركوا شيئا للبلاد وإلا سوف يغرقون إلى آذانهم». هكذا يؤكد «جان فرانسوا سيزنيك»، زميل بارز في مركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي. «إذا كانت تطلب من الشعب أن يضحي من أجل البلاد فليس من المعقول أن تتمتع فئة بعينها بكل المميزات».

خط أحمر

عندما صعد الملك «عبد الله»، الأخ غير الشقيق للملك «سلمان» إلى العرش في عام 2005، قال إنه حاول كبح جماح بعض تجاوزت الأسرة الحاكمة. قام الملك الجديد بقطع الهواتف المحمولة المجانية والرحلات المجانية على شركات الطيران الوطنية وحجوزات الفنادق. حاول الملك «عبد الله» أيضا التقليص من ممارسات الاستيلاء على الأراضي وإساءة استخدام نظام تأشيرات العمال الضيوف عبر الاستيلاء عليها وبيعها.

 

ولكن جهود الملك «عبد الله» لاقت معارضة كبيرة. ووفقا لبرقية دبلوماسية أمريكية كان على رأس قائمة المعارضين كل من الأمير «سلمان» وشقيقه الأمير «نايف». ولكن شقيقهم الأكبر سنا «سلطان» أخبرهم أن تحدي الملك خط أحمر، وحذرهم من ورطة كبيرة إذا لم تلتحم الأسرة ببعضها البعض.

يدرك كبار الأعضاء في أسرة آل سعود أنهم فقدوا دولتهم السابقة خلال القرن التاسع عشر بسبب الاقتتال الداخلي. وقد أطيح بالملك «سعود» على يد أخيه الملك «فيصل» عام 1964، وقتل الأخير بدوره على يد ابن أخيه.

وبوصفه حاكما للرياض، ساعد الملك «سلمان» في الإشراف على الأسرة وقام بسجن صغار الأمراء الذين عاثوا في الأرض فسادا. وقال السفير السابق للولايات المتحدة «شاس فريمان»: «عندما تكون هناك مشكلة في الأسرة تحتاج إلى تدخل كان يتم استدعاء الأمير سلمان على الفور».

ويشمل أبناء «سلمان» رجال الأعمال الناجحين والمسؤولين الحكوميين وحتى أول رائد فضاء مسلم، الذي طار على مكوك الفضاء الأمريكي ديسكفري. أحد أبناء «سلمان»، الأمير «أحمد بن سلمان»، يملك الفرس «وور إيمبليم» الفائز بديربي كنتاكي. وكان أيضا رئيس مجلس إدارة شركة إعلامية كبرى، المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، والذي تستخدم لحماية صورة العائلة المالكة.

هناك فائض من حكايا بذخ الأمراء في الخارج، مثل تلك الأميرة التي أنفقت 20 مليون دولار على فواتير التسوق في باريس عام 2009. وعادة لا يتم تداول هذه القصص داخل المملكة بسبب الرقابة الصارمة المفروضة على الإعلام السعودي.

عندما وقعت الاضطرابات في البلدان حول السعودية خلال الربيع العربي، استجاب الملك «عبد الله» بإنفاق 130 مليار دولار على الرواتب والبرامج الاجتماعية. وقد أنفق الملك «سلمان» لدى وصوله إلى السلطة منذ عامين قرابة 32 مليار دولار على رعاياه منها راتب شهرين لموظفي الحكومة. وكانت أسعار النفط قد بدأت تراجعها الحاد، لكنه لم يكن واضحا بعد إلى أي مدى سوف تنخفض.

الجيل الجديد

بعد 3 أشهر، قام الملك بترقية ابن أخيه «محمد بن نايف» إلى موقع ولي العهد ونجله الأمير «محمد بن سلمان» كنائب لولي العهد. وفاجأ الملك دائرته المقربة بمنح نجله سلطات موسعة من وزارة الدفاع إلى رئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والإشراف على شركة أرامكو. كما أزال العديد من أبناء الملوك السابقين من المناصب الهامة.

ويقول السيد «فريمان» إن هذا التمكين المفاجئ أثار استياء الأفرع الأخرى من العائلة.

في العام الماضي، نشرت رسالة مجهولة من ابن شقيق الملك على الإنترنت داعيا أعمامه لإزالة أخيهم الملك «سلمان». زعمت رسالة لاحقة نشرت بعد أسابيع أن مائة مليار دولار قد منحت لأبناء الملك «سلمان» في حين أن عائدات مليوني برميل من النفط يوميا صارت في يد نجله. بينما يقول «القصير» أن هذه المعلومات كانت خاطئة وأنه تم التلاعب بالأمير المنشق.

ولا تزال أسرة آل سعود تختلف بهدوء حول كيفية المضي قدما مع الشكوك حول خطط الإصلاح الاقتصادي للأمير «محمد»، والحرب التي يقودها في اليمن.

ويقول أمير ونجل لملك سابق تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته «إن العائلة تود أن تكون موحدة حتى لو كان الجميع غير راضين».

في واقع الأمر فإن انتقاد الحكم السعودي ينطوي على مخاطر عدة، وقد اختفى ثلاثة من الأمراء الذين كانوا يعيشون في الخارج وانتقدوا السياسة السعودية عن الأنظار منذ تولي الملك «سلمان» السلطة. ويرجح أنه تمت إعادتهم إلى المملكة حيث لا يمكنهم التعبير عن خلافاتهم. (يؤكد القصير أن أيا منهم لا يقبع في السجن أو تحت الإقامة الجبرية).

في تشرين الأول، أعلنت الحكومة أن أميرا من ذوي الرتب المتدنية قد أعدم بتهمة القتل. وقد فسر البعض ذلك على أنه علامة على أن لا أحد فوق القانون، وأن أفراد العائلة المالكة لن يكونوا بمأمن من عواقب أفعالهم.

وبينما يستثمر أفراد الأسرة في الخارج منذ عقود من الزمن، فقد تسارعت وتيرة شرائهم للمنازل في العامين الماضيين، وفقا لـ«أمير أصلاني»، وهو وكيل أعمال يشرف على بعض عمليات استحواذ العائلة المالكة في فرنسا. يقول: «في حال ساءت الأمور بالنسبة لهم فإنه يمكنهم اللجوء إلى العيش في تلك الأصول. هم لا يقومون فقط بتأمين رؤوس أموالهم ولكن حياتهم المستقبلية».

بعد انتهاء شهر رمضان في تموز، سافر العديد من أفراد العائلة المالكة إلى البحر الأبيض المتوسط. قام الأمير «عبد العزيز»، نجل الملك فهد بن عبد العزيز، باستقلال طائرة تزلج الصيف الماضي قبالة جزيرة فورمينترا الأسبانية قبالة يخته الذي يبلغ طوله 500 قدم.

وتقول «نيكول بولاد»، الرئيس التنفيذي لشركة تصميم أزياء في لوس أنجلوس، أن عميلاتها من الأميرات السعوديات اشترين حقائب من جلد التمساح وعبايات راقية مرصعة بالماس والذهب بمئات الآلاف من الدولارات.

وقال الأمير «خالد»، الأمير المنفي في ألمانيا، أنه سيكون من الصعب على نائب ولي العهد الضغط على دائرته الانتخابية إذا كان راغبا في الوصول إلى العرش. ويضيف: «لن يستطيع أن يصبح ملكا دون دعم العائلة المالكة».

التوقعات بأن الانقسامات داخل بيت آل سعود قد تهدد قبضته على السلطة تكررت كثيرا عبر عقود. وعلى الرغم من تقدمه في السن، قام الملك «سلمان» بجولة خليجية مؤخرا ليبرهن على وجوده.

«اعتادت العائلة على التعامل مع هذه الأمور على مدار أكثر من ثلاثين عاما»، كما يؤكد «فورد فريكر» سفير الولايات المتحدة السابق لدى السعودية. ويضيف: «نكمل معا أو نغرق معا».. هذه هي القناعة المتأصلة في الحامض النووي للعائلة المالكة.