مساحة حرة

فاقد الشيء لا يعطيه!

“أجوع مع الجائعين، فذلك هو شرط المعرفة؛ وألتحف المنافي، فذلك هو شرط الحرية” هذا ما قاله المفكر العربي الكبير والباحث التاريخي الأصيل “هادي العلوي” ضمن العديد من النقاط التي وجهها كحراب إلى جسد المثقف العربي “المودرن” على اعتبار أن توجيه تلك الحراب إلى وعيه أو عقله هي بلا نتيجة! أين مثقفو الحريات الجديدة وطلاب الحقوق الغرائبيون في هذا الزمن من هذا الكلام الحق، أولئك الذين غيروا ما لا يمكنّ تغيره في الوجدان والضمير مهما أنحط قدره وسفلت قيمته- كما كنا نعتقد – فهم الوحيدون في التاريخ الذين جعلوا الوطن مناف متبدلة- وتعاملوا مع المنافي على أنها أوطان! ولو خيروا بين أن يعودوا للبلاد أو أن يبقوا حيث يطيب لهم المقام ،لكانت البلاد هي أخر ما يفكرون بوضعه في كفة ميزانهم، ميزانهم الموجود أيضا ولكن ليس لما يوجد لأجله الميزان عادة، بل للمفاضلة حسب القيمة المادية بين هذه وتلك، بغض النظر عن ماهية هذه وماهية تلك؟ أما بشأن الجوع ، فلا يُخشى عليهم في هذا منه، لطالما برعوا في تأمين هذا المورد، لا من زمن “أشعب” فقط، وبالتأكيد ليس ثمة أفق تاريخي منظور لزوال هذه الوصمة. كان بإمكاني أن اختصر ما سبق بكلمة “خونة”وانتهى الأمر، لكن أسماعهم مرهفة ويتحسسون هذا الكلمة، من باب “اللي فيه مسلة بتنخزو”!. ليس للمستنكر هذا الكلام إلا أن يتابع ما ينضحون به على المنابر الإعلامية إياها ومختلف وسائط السوشال ميديا، من تهليل و تبريكات عند حدوث أي عمل إرهابي-صهيوني، بحق السوريين ومؤسساتهم وممتلكاتهم، السوريون الذين ينصبون أنفسهم أنهم يتكلمون بلسانهم، وهم لا يتكلمون إلا بلسان الصل، عدا عن عملهم الحثيث لاستجلاب الدمار لوطنهم بكافة أنواع الابتزاز الوضيع، بدء بالعاطفي منهاوليس انتهاء بالطائفي الكريه و بكل ما يقدرون عليه حتى ولو كان بحف الكرامات وبذل الضمائر، رغم معرفتهم الأكيدة أن مزيدا من الدماء ستسفك ومزيدا من الألم سيدمي قلوب السوريين، بعد أن تنطحوا من فنادق العالم وتحت رعاية الأعداء السخية معهم، للحديث باسمهم،وهم بعيدون ليس عن الشارع السوري فقط، بل عن كل ما يعني هذا الشارع وعن كل ما يجب الخوض فيه. في زمان ما كان الخجل يعتبر واحدة من الصفات التي تدل على طبيعة الإنسان، طبعا حسب موصع هذا الخجل، فإن قام بتصرف شائن يشذ عن السلوك العام والاخلاقيات الاجتماعية بكافة صنوفها أصابه الخجل الذي استفحل لديه بعد الشعور بالخزي والعار، وربما اعتكف في بيته لم يغادره إلا إلى القبر، ولكن هذا لمن لديه دم وفيه إحساس، فماذا نقول بمن يرتكبون من الموبقات الوطنية والأجتماعية والأنسانية والفكرية، التي إن مست بحرا أصابته بالسواد، وهم لا مشكلة لديهم في أن يعرضوا موبقاتهم على الناس وبكل وقاحة وصلف أمه الوضاعة، ودون أي شعور لا بالخجل ولا غيره، وما يعني هنا حقا هو “الشيك” وجهة التحويل، أما الأخلاق التي كانت يوما ما من صفات أهل العقل، فهم متخلون عنها لأنهم لا يمتلكونها، كما تخلوا عن العقل وكل ادواته لأنهم لا يمتلكونه أساسا، وفاقد الشيء لا يعطيه!. “ولذلك يبكي العامي كما يبكي الصوفي والتاوي في حين لا يبكي مثقفونا المعاصرون الذين أخذوا الثقافة بالترجمة فهم يترجمون عن غيرهم ومن يترجم عن غيره لا يبكي” أيضا قال هادي العلوي.!

تمّام علي بركات