ثقافة وفن

نحن بخير طمئنونا “عنكم”!!

الشبيبة التي هربت وتركت البلد -بغض النظر عن موقفها من الحرب- تنصحنا من موقعها الجغرافي الجديد بأن التقسيم هو الحل!
من كان منهم بألمانية فهو حتما يحمل الجعة بيد، -بكحول أو دونها – أيضا بغض النظر عن موقفه الموروث من الأمر، ومن مقعده البعيد في حديقة المنفى يخط ستاتوس عن ضرورة التقسيم باليد الأخرى، إلى أن يرن جرس الغداء المعلق فوق إشارات المرور له ولمن حالهم كحاله، فيخرج ريثما تمتلئ معدته ويعود ليكمل حديثه بعد أن “يتدشى” بوجهنا ويعمينا.
ومن كان منهم في باريس، فهو حتما ويجب أن يكون واقفا وفي ظهره تماما يقف برج أيفل، ويكاد زهوه يشي بأنه هو من شيدّ أيفل، وأحيانا قد تكون إلى جانبه فرنسية ستينية متصابية -غربة أشد قسوة وفتك- تدله سواء السبيل إلى الإقامة، بينما يتحنن على أهل الداخل بنظرياته عن ضرورة التقسيم.
ومن كان منهم في بريطانيا فهو يمتاز بكونه أكثر فوقية من سابقيه، فهو أيضا انفصل عن الاتحاد الأوروبي ولديه مشاريعه على جسر ت . س إليوت التي لا تحتمل التأجيل، خصوصا أنه اكتشف مواهبه الأدبية على حين منفى، ولا يهم أين يقف في كادر الصورة ،فهو غير معني بأوابد عصر النهضة – على الأغلب لا يعرفها-إلا أنه لا يترك فرصة تمرّ حتى في عيد الشجرة ، وبسبب أو بدونه إلا ويذكرنا بجمال وروعة وأهمية التقسيم ليعم السلام بين السوريين!، وهو بشكل فعلي مستعد أن يقدم فروض طاعته للمجانين وحتى لقرود السود ، لا فرق فلديه حرية التعبير!! هذه الحرية التي يجب أن تدك في سابع قبر ريثما نخرج من هذا الرابوص، بالمناسبة من صاحب هذه الفكرة السقيمة “حرية التعبير للجميع!”؟
صفحاتهم تكتظ بعبارات من قبيل ” لا حل إلا الفدرالية، أو التقسيم هو الحل، وإلى غيرها من العبارات الجديدة عليهم، والتي ربما كانت من أول الدروس التي أخذوها وهم يتعلمون لغة البلد الذي هم فيه.!
في الحقيقة لا نستطيع فهم هذا السلوك إلا بكونه انحطاط أخلاقي ووطني في المقام الأول، ولكن العسير فهمه هو كيف ومتى ولماذا هذا الاتفاق شبه الضمني على هذا الخطاب الذي بدأت أصواته تتعالى في الخارج؟ ومِن قبل مَن ؟عند من لا حرب تدور رحاها حيث حطوا رحالهم، ولا حياتهم اليومية عصيبة وصعبة كما الحال هنا وعلى الجميع، لكن وجع حلب هو وجع اللاذقية ووجع حماه هو وجع دمشق ووجع درعا هو وجع جبلة، وهذا ما يبدو أنهم نسوه في بلاد الاغتراب.
جرت عادة المغتربين أن يقدروا أوطانهم ويرفعونها فوق الشمس فهي حيث نبتت أرواحهم وإلا في أرضها لا يرضون لأجسادهم أن تدفن، إلا أن ما يجري عند “مغتربينا” الجدد، هو ما لم نسمع قبلا ولا نريد أن نسمع لا الآن ولا غدا، هؤلاء وبكل بساطة، يفتقدون للإحساس بالمواطنة وفهم معناها الأصيل، وهذه أول الرقص كما يقال “حنجلة”!

تمّام علي بركات