مساحة حرة

لماذا المشروع الإرهابي محكوم بالفشل؟

ثار جواب سيادة الرئيس لقناة T.B.S اليابانية على سؤال: ما الذي تسعَون إليه وتتوقعونه من محادثات أستانة؟:«نعتقد أن المؤتمر سيكون على شكل محادثات بين الحكومة والمجموعات الإرهابية من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار والسماح لها بالانضمام إلى المصالحات..» تساؤلات عديدة في الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، فانتشر صدى الجواب بوصف الطرف الآخر على أنه مجموعات إرهابية في مختلف الأوساط على محمل الحذر والشك والجديّة في وقت واحد ولاسيما من الرعاة والضامنين.

وللحقيقة، فإن هذا الجواب نابع من الواقع المعيش، ومن تتالي الأحداث خلال سني الأزمة – العدوان على سورية-. فهناك اليوم رأي ناهض في المجتمع الدولي، ولدى قطاعات واسعة من الأحزاب والمنظمات والاتحادات والقوى الحيّة الوطنيّة التقدميّة في المنطقة والعالم. وهو رأي ينبثق من أفق واسع يرى أن المنطق التفاوضي يفرض الحوار لكنه لايقترن أبداً بالتسرّع في تقديم تنازلات مجانية مسبقة لهكذا معارضة، ذلك أن منطق الحياة المعاصرة ينطوي على حتمية تاريخية باندحار الرجعيّة والتخلّف والتطرّف، أي الأسس الفكرية والميدانية للإرهابي.

وهناك اليوم أيضاً مراجعات نقدية، في مختلف أرجاء العالم حتى في أبحاث استراتيجيي الإدارة الأمريكية الذين يطرحون منذ تموز الماضي – جرّاء التردد في تسليح المعارضة – ما مفاده اليوم:«على الرغم من العيوب الخطيرة للحكومة السورية فإن الجيش السوري هو المؤسسة السورية الوحيدة الملتزمة بمقاومة القاعدة وداعش. وعلى الأرجح أن إدارة ترامب ستنطلق من هذه النقطة في محاولتها إعادة بناء سياسة منبعثة من رماد سياسة إدارة أوباما الفاشلة».

ومن طرف آخر، وبعد صراخ وعويل طال زمنه للدبلوماسية البريطانية «العريقة» في معاداتها لحقوق الشعوب وللقضايا الوطنية العربية، و«العريقة» أيضاً في دعمها وتأسيسها للصهيونية والوهابية والإخونجية، والتي تمثّلها بوريس جونسون في الأشهر الأولى من توزيره للخارجية، فإننا نسمع المذكور بالأمس يعلن عن «تفكير جديد» بريطاني حول التعامل مع متغيّرات المشهد في سورية معترفاً بأن سياسة بلاده السابقة في هذه المسألة “تفتقد القدر المطلوب من الثقة”.

نحن اليوم لا نستطيع أن نحصي الأبحاث العديدة جداً في وسائل إعلام ومراكز أبحاث دول دعمت الإرهاب والتطرّف في سورية وفي غيرها، والتي ترى بالمحصلة واقعاً وحقيقةً أن:«كل أولئك الذين يُدعَون اليوم بالمجموعات المسلحة المعتدلة لم يكونوا يوماً مستقلين عن تنظيم القاعدة».

ويذهب مثلاً ديفيد اغناتيوس الروائي والمحرر في الواشنطن بوست بعد لأيٍ وتردد إلى الإقرار بأن «الأمر الذي تم تجاهله كثيراً هو أن كافة الفصائل المعارضة السورية منضوية تحت نظام سياسي وعسكري يسيطر عليه تنظيم القاعدة، وأن الفكرة التي يطرحها الاستراتيجيون الأمريكان من أن المجموعات المعتدلة يمكن أن تكون مصدر دعم لمحاربة القاعدة هي فكرة لم تعد تمتلك أيّة مصداقية».

لذلك لم ولن يستطيع بعد الآن أحد أن ينكر أن المتاجرة بالمظلومية، وبالحرية، وبالديمقراطية، وأن الانتقال في الوعي الشعبي من الهويّات الوطنية إلى العصبيات، وبسياسة الاندماج والعيش المشترك والوحدة الوطنية الناتجة عن حركة التحرر والاستقلال واليقظة العربية إلى التسييس الطائفي فالمذهبي فالعرقي… هذا جميعه عزز فكرة التطرّف في المجتمعات العربية والإسلامية المرادفة تماماً لـ«القضاء على الآخر». وهذا جميعه أيضاً سند للفكر وللممارسة التكفيرية الإرهابية.

ولذلك أيضاً لم ولن يستطيع أحد بعد الآن أن ينكر أن المجموعات المسلحة في سورية هي عصابات إرهابية تستمد المال والسلاح والفكر والإقامة والتجوال من الأعداء التاريخيين للوطن والأمة، وإن هذا المدد لم يعد قادراً على إخفاء الحقيقة، فالمعارضة السياسية الوطنية التي تطالب بحوار سوري سوري لاتحمل السلاح وتبيع نفسها للأطلسي والصهيوني والرجعي العربي، وهذا مابدأ يرهقها وهي تنوس وتتردد وتصرخ تائهة كل فترة في تشكيل جديد، ولا مخرج حقيقياً لها غير إلقاء السلاح، وهذا ما لا تستطيع له سبيلاً.

المعارضة المسلّحة إرهاب يحاول تبديل جلدته، وقد سبقتها«النصرة» في ذلك بل كانت أكثر ديناميكية منها وهي تؤذي وتجرم وتتشظى منذ إعلانها بيانها التأسيسي في كانون الثاني 2012 وانفصالها عن «الخلافة»، وما أعقب ذلك من صراع بين البغدادي والظواهري الذي أعطاها الضوء الأخضر في حزيران 2015 للانفكاك عن القاعدة التنظيم الأم، وصولاً إلى تغيير الاسم بطلب من تركيا وقطر إلى جيش فتح الشام، ومؤخّراً هيئة تحرير الشام. ولن يكون حال هذه المجموعات وتلك المعارضة بأفضل… وسيقدّم الصمود الأسطوري للشعب والجيش والقيادة السورية دروساً لاحقة تضاف إلى رصيد يجعل المشروع الإرهابي المدعوم والمعادي للوطن وللأمة وللإنسانية هباء منثوراً.

إذن من الطبيعي أن يقتنع العالم بأن ما لم يقبل به شعبنا في 2011 لن يقبل به في 2017، ولن ننسى أننا جيل تعلم من الابتدائي حتى أرقى الشهادات مجاناً ولم يتكبد آباؤنا العمال والفلاحون في سبيل ذلك أية نفقات، وأننا من جيل تنعّم مجاناً بالمراكز الصحية والثقافية والإرشادية الزراعية.. على امتداد مساحة القطر. وأن الذين غُرر بهم وتاهوا بين الوعد والوعيد هم اليوم أسارى الإخونجي والإرهابي. فلا مستقبل في سورية إلا للمشروع الوطني التقدمي العلماني.

د. عبد اللطيف عمران