مساحة حرة

دلالات التأجيل وأستانا 2

سواء أتمّ تأجيل لقاء أستانا 2 ليوم أم لأكثر، أم لم يتم، فللمسألة دلالات، وأستانا 2 مرتبط بجنيف 4 الذي تم تأجيله “مبدئياً” من 8 شباط إلى 20 إلى 23، وهذا التأجيل ليس اعتباطياً، وهو قائم على معطيات لا شك، كما أنه تأجيل كاشف لما يجري تحت الطاولة، ولما سيجري فوقها، ولما يدور في الميدان أيضاً حيث يحتدم ومنذ الأمس اقتتال العصابات المسلحة في ريف إدلب الجنوبي والشمالي، وفي ريف حماة الشمالي، ولهذه الأمور صلة أيضاً بتقدّم الطرح الأمريكي للمناطق الآمنة في الجنوب والشمال والذي تلقفه الأردن وتركيا والسعودية في وقت أصبح فيه جلياً للمتابع أن طرح المناطق الآمنة يفضي إلى أن تكون المنطقة كلها غير آمنة.

ويبدو أن القيادة السورية لن تكون ضد التأجيل، فهذا لا يزعجها إذا ارتبط أو أفضى إلى معطيات ونتائج توقف سفك الدم السوري “وقف الأعمال القتالية” من جهة، وإلى توحيد وجهة البندقية لمحاربة الإرهاب من جهة ثانية.

وهكذا، فلابد من الانتقال من منطق الحرب إلى منطق السلم، ولابد من التسليم بأن الانتصار في الحرب «على» حلب شكّل انعطافاً سياسياً وميدانياً كبيراً بما سيكون جرس إنذار لاستيقاظ الوطنية السورية عند الأطراف الأخرى بما سيساعدها في النزول من على شجرة الزقوم «الفتنة الملعونة هي وآكلها» إلى أرض الوطن.

وليس مشكلة إذا طال المسار السياسي قليلاً بعد سنوات لا شك طويلة من الدمار والدماء اللذين خلّفتهما الحرب “على” سورية و”فيها”، فالاحتكام إلى الطاولة أفضل من الاحتكام إلى الميدان، ولطالما كررت سورية وأكدت تأييدها للحل السياسي، وقدمت في هذا المجال مبادرات ومراسيم عفو عديدة… إلخ، ومن الواضح أهمية وأسبقية مبادرة الرئيس الأسد في كلمته في 6/1/2013 كمشروع متكامل، وليس كاملاً للإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل.

لكن من طرف آخر فلطول مدة هذا المسار، وللتأجيل كذلك محاذير عديدة ليست بخافية على القيادة السورية، ولاسيما أنه في بعض الأحيان يعكس نوايا غير صادقة عند الأطراف الأخرى التي تراهن على متغيرات دولية وإقليمية منها التغيّر في موقف الإدارة الأمريكية الجديدة حيث الرهان مبدئياً على طرحيها السلبيين: الموقف من إيران، والمناطق الآمنة. وهنا نؤكد خطأ هذا الرهان الذي  سيستغرق مزيداً من الوقت  سيطول أكثر من المتوقع لتستقيم خلاله القراءة الصحيحة أو الواضحة لتوجهات هذه الإدارة التي في أقل من شهر وقعت في أحابيل مربكة جداً لها في مسألتي الهجرة والتخابر مع الروس.

كما أن التأجيل وإطالة أمد التفاوض – الذي لن يرهقنا – هو استمرار لمسألة المماطلة، ونتيجة لغياب أجندة وطنية واضحة عند الأطراف الأخرى التي يتبنّى كل منها استراتيجية مكان الإقامة أو الارتزاق سواء في تركيا، أو في الرياض، أو في الدوحة، وصولاً إلى واشنطن وتل أبيب، فمساء أمس وصلت حرفيّة قناة العربية السعودية وهي تتلهف لمتابعة أصداء زيارة نتنياهو إلى واشنطن إلى الحوار المباشر والشفّاف والحميم الواضح مع الصحفي الصهيوني المرافق لنتنياهو.

على أية حال سنفاوض غداً وبعده، وفي أي مكان، كما فاوضنا سابقاً في جنيف وفيينا وأستانا، وليس تحدياً كبيراً انتقال طاولة المفاوضات بين مشارق الأرض ومغاربها، لكن المشكلة هي في تأخرّ الإدراك واليقين أنه في نهاية المطاف لن تكون هذه المفاوضات مجدية وذات بعد وطني محض إلا حين تكون في دمشق، ولاشيء يمنع أن تكون فيها، فقد قدمت دمشق ما يمهّد لذلك ويحققه ولاسيما في مرسوم العفو الأخير الذي أصدره السيد الرئيس متضمناً كلمة «أي» مسلح يلقي سلاحه.

لقد أرهقت تركيا وقطر والسعودية ممثليها في المفاوضات، مايهدد  البعد الوطني الأهم في الحوار السوري السوري، فلكل من المقيمين في هذه الدول رؤية تختلف عن الآخر، مايضع القيادة السورية أمام حوار إشكالي مع أشتات تحمل في أجنداتها أوراقاً مبعثرة تختلط فيها المسألة الوطنية بالالتزام بالمشغّل، وهذا مربك جداً بل سيّىء وغير مجدٍ. فنحن في النهاية سنفاوض من؟!.

وإذا كان للتأجيل دلالات عديدة ليست مرتبطة بتوسعة أستانا بضم الأردن ومنصتي القاهرة وموسكو فحسب، ولا بزيارة أردوغان إلى الخليج ومارافقها أمس من اجتماع المجموعات الإرهابية بمخابراته، بل أيضاً مرتبطة على مايبدو بلقاءات نتنياهو اليوم في واشنطن، ويبدو أيضاً أن لهذا صلة بتأجيل جنيف 4  إلى ما بعد لقاء لافروف – تيلرسون نهاية هذا الأسبوع في ألمانيا، فإنه لابد من الاحتكام إلى المرجعية الوطنية وعلى أرض سورية وهذا ما يتوجب إدراكه من الضامن والمفاوض.

د. عبد اللطيف عمران