محليات

في مصائب السوريين….من بلع البحر لا يغص بالجدول؟!

عبر سني الحرب الستة خبر الشارع السوري كل أشكال المنغصات ليمضغ المواطن ويبلع كافة صنوف الكروب، ليمسي الاعتياد على الأحداث الأمنية والميدانية عسكرياً حالة “مقاومة” ذاتية تجعل ممن تسقط بجواره قذيفة هاون كمن يسمع فرقعة بالون مكتفياً بالالتفات إلى النتائج ومواصلاً مسيره متمتماً “الله يفرج”، ومن يشهد تفجيراً ويتابع معركة “مدنياً كان أم عسكرياً” لا يعدو عن كونه يشاهد فيلماً تلفزيونياً مع فارق أنه هنا في واقع هو بطل في صناعته، وتحت يافطة “الله يجيرنا من الأعظم ” يتكل على إيمانه ويمضي في معركة إثبات الوجود.؟

في المشهد الحياتي الآخر قد لا يصدق من لا يألف هذا المجتمع أن حراكاً ونشاطاً ومعيشة تعطيك مؤشرات وبراهين واضحة على أن “البلد بخير” ولا حرب و لا هم يحزنون..حتى في أحلك مواجهات ومعارك محيط دمشق وسماع دوي الانفجارات وأصوات الأسلحة الثقيلة والخفيفة “قبيل وقف إطلاق النار الأخير واستكمال ملف مصالحات جوار العاصمة ” لم تكن الصورة بذاك الاختلاف الجذري، فالتماهي مع كل ما يحصل ولو كان عنيفاً بات علاجاً تكتيكياً شكل خياراً نفسياً ومعنوياً يحصن مما يجري ويؤمن ذخيرة ديناميكية تصد هجمات وضربات الإحباط القاتلة والتي قرر السوريون تصديها ولو كبر أو صغر الثمن “فزاد الشوام والمقيمين” أن حياتاً يجب أن تستمر ولو لم يبق إلا القليل.؟

بعد مصائب الحرب “الطويلة العريضة” تبدلت الارتدادات واختلفت الأمزجة العامة تجاه كل ما يحدث أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً، ومع أن القيمة الأكبر تتجلى بالسيناريو الجديد الذي سجلته الدولة وذراعها المؤسساتي الفاعل والضارب “الجيش” بقلب الميادين وتسطير الانتصارات، إلا أن سردية المجريات السابقة وجدلية الهبات الساخنة والفاترة وتعاطي “الدولة” البارد والهادئ لا بل والمترقب بصمت أحياناً شكل سكينة وانعطافاً باتجاه رحم البلد الآمن، فمن شهد قنوات الكون الفضائية يوماً ما كان يترحم على سورية وأهلها، ومن نجا من موسم التفجيرات وقع في أسر الكآبة، ومن عاصر خسارة بعض الجبهات والانسحابات التكتيكية للعسكر قلق قليلاً، ومن تابع طوابير الهجرة البحرية وتداعياتها شعر بأن المحافظات فرغت من أهليها …و….و… لتنتهي تجربة السنوات العجاف بهدوء المصالحات ومشروع المسامحات ومنصات المفاوضات الدولية والمحلية، على هدير الإنجازات في جبهات استراتيجية وأخرى نوعية، وأمام كل ذلك ثمة إيقاع للحياة استقر أخيراً على صعداء أطلقت زفيرها شرائح المجتمع، رغم كل ما يتعرض له المواطن من حرب على جبهات وسائل ومستلزمات المعيشة التي تضرب أطنابها بين الحين والآخر على صعد الغذاء والدواء و الغلاء مروراً بالمياه وحوامل الطاقة و المحرقات وصولاً إلى معاناة الخدمات العامة وضعف الدخل والاحتكار، وهنا للتفاصيل مواجع لا يمكن المكابرة عليها والقفز فوقها في ظل التحديات اليومية التي تبرر التأفف والضجر والملل وقلة الحيلة حيث الحال الواحد لا يتكلم إلا بفقدان” إما الماء أو الكهرباء أو الغاز أو المازوت أو البنزين أو الدواء ” وكلها إن حصلت فراداً هذا لا يعني أنها عند اجتماعها تشكل ثقلاً ضاغطاً على مواطن لم يعد للحكومة مجال لاتهامه بكثرة النق والشكوى ونكران النعمة غير المتوفرة أصلاً.

في يوميات غياب مقومات الحياة لا مكان لخطابات  الحصار والمقاطعة و لعنة الأزمة التي فرضت “حكومة الحرب” ولم تقدم مسؤولين من الشفافية بمكان تعطي أحدهم قدرة وبطولة المواجهة بالحقائق وهذا ما يؤخذ على الحكومة الحالية التي آثرت الاختباء وراء الإصبع تهرباً من جهد وعمل ربما هي تقوم به من خلف الكواليس، ما يخلق حنقاً وتهماً وشعوراً عاماً بالاستياء لتجد الحكومة نفسها  بعد حين مضطرة للدفاع عن نفسها بطرق غير مباشرة “قد تكون الشخصيات والمنابر الإعلامية أحد الأذرع والأدوات التي لا تنفع لا بل تتهم مباشرة بالمحاباة و تجميل صورة من لا يستأهل المدح لأنه مقصر من جهة وإن فعل وأنجز فهذا واجبه ومسؤولياته وإلا ليستقيل ويعتذر إن لم يفلح.؟

في معمعة البحث عن مستلزمات المعيشة اليومية وتحول الفرد إلى مجرد نقطة في طابور الانتظار يجد الإعلام نفسه في مأزق إثبات المواطنة وتلقف الشارع المحق والاضطرار والنكوص لرغبة الحكومة بإعلام لديه شطارة غير مسبوقة بخلق وإنتاج المبررات لا بل وإظهار الحكومة على أنها لا تنام ولا يقر لها جفن هماً على المواطن، وهذا من الصعوبة بمكان تمريره لمجتمع يحفظ نفسه عن ظهر قلب وهو نفسه الذي يفرز مسؤولين ما إن يمتطون كراسيهم حتى يحصلون على كل الرفاهية التي يشتهيها المواطن، وبالتالي لن يبكي من يلتحف البرد ويشكو المرض ويألف العتمة ويشتهي الطيبات.

إذاً من الصعوبة بمكان الانسلاخ عن بيئة لا تحتاج لشروحات وتفسيرات فالمكتوب مقروء من أمام الأفران والكازيات والمؤسسات والأسواق ، وعليه ثمة اصطفاف منطقي مع المواطن، وأما صمت وسكوت الحكومة المدروس لجهة “إتقان فن السير على أطراف الحواف” قد لا يشفع لها إلا بالنتائج التي لا داعي لمزيد من الاختبارات قبلها وبعدها حول الجلد وقدرة التحمل، فمن شرب البحر لا يغص بجدول وهكذا هم السوريون يتجرعون تحديات مواجهة الإرهاب وصعوبات الجبهات الداخلية…وستصبح ذكريات وحكايات عن بطولات المعانة بعد حين عندما تضع الحرب أوزارها ونصطبح على وطن الحلم المعجون بدماء الشهداء.؟

البعث ميديا || دمشق – علي بلال قاسم