ثقافة وفن

بين ثقافة الحياة ونقيضها!

كتب الشاعر العراقي كاظم جواد، عندما زار لندن بعيد احتلال بلاده من الأمريكيين: “ماذا سأكتب عن شوارعك المضاءة، من دماء ودموع شعبي الكادح المحزون في ليل العراق؟
ماذا سأكتب يا مدينة الموت؟ فعلى ملامحِك العجاف تجوب أخيلة ُ الضغينةْ، سأقول أنك توقــدين مصباح غازك ِمن دم ِالموتى وجوع الآخرين، مهلاً، وأنك تشربين مائي وبترولي ..وأنك تبصقين، آلاف آلاف الرجال وتقتلين الطيبين”.
رغبت بداية في ذكر ما أورده “جهاد” للتذكير بكلاسيكية كانت من أدبياتنا كسوريين وكعرب أيضا، يبدو أن ثمة من نسيها تماما في هذا الوقت الذي يتكلم فيه الدولار ويكم الأفواه “بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام” خصوصا بعد الدعوة الأخيرة من الحكومة السورية للسوريين الذين تركوا البلد في الحرب، للعودة إلى بلادهم، والمساهمة في إعادة بنائها، وما قوبلت فيه هذه الدعوة الكريمة من بعض الموتى بحقدهم، حتى وهم ينفسون هواء العدو في صدورهم الموغلة في غلها.
المصيبة أن هناك من خرج علينا من المنظرين “المفذلكين” الذين وجدوا في ديار الغربة المُنارة شوارعها من دماء بني جلدتهم كما ذكر الشاعر العراقي “جهاد”، ديارهم الحقيقية وفيها الحلم والحياة، حتى أن منهم من راح يسمي “ميركل” “ماما ميركل” التي ساهمت بلدها بشكل سافر في دعم العدوان على بلدنا، خرج هؤلاء للتقليل من أهمية هذه الدعوة! وللعمل وبكل وضاعة على تفشيلها بكل ما حملوا من حقد لا يصدق على البلاد وأهلها، وكأنها ليست بلادهم وأهلوها ليسوا أخوتهم، ولعمري هذا أغرب وأعجب ما سيدونه التاريخ يوما عن أشخاص وضعوا السكين على رقاب أخوتهم كرمى خاطر عدو لطالما كانوا يدركون ويعرفون أنه الأقذر في التاريخ، ومع ذلك ولأجل مصالحهم الضيقة، مضوا في طريق لا عودة منه، إلا لمن رحم ربي.
هؤلاء احرقوا خلفهم كل المراكب بعد أن رست نواياهم الخسيسة في بلاد “الأغريك” على قولة الراحل “نضال سيجري” في “ضيعة ضايعة” ،ولم يبقى إلا أن يُعملوا سكاكينهم في أي مبادرة يبنى عليها للنهوض بالبلاد من كبوتها الدامية هذه! أيضا غيرهم خرجوا للتهكم بالسؤال التالي: ولماذا نعود؟ للخدمات الغير موجودة أم لنذهب إلى الجيش؟ وكأنه ليس من حق البلاد على أبنائها عندما تمر في مصيبة كالتي نمر فيها، أن يدافعوا عنها ويبذلوا لأجلها الرخيص والنفيس.
ست سنوات من الحرب الغير مسبوقة في التاريخ علينا وعلى بلدنا، رأينا فيها ما رأينا من مختلف الأهوال، ومن بني الجلدة للأسف كما العدو، لكن الحكومة والقرار السياسي والثقافة الاجتماعية المتسامحة في الوطن، ماضية في العمل لضم كل من ضل سواء السبيل، وإعادته إلى بيته وأهله وحياته، رغم الأسى والألم الذي يعتصر القلوب، فقرار المسامحة والتغاضي عن البلاء الذي تسبب فيه البعض من السوريين للوطن، اتخذ وعلى كافة الأصعدة – السياسية – الاجتماعية – الإنسانية-وهذا ديدن السوريين الحقيقين مذ وجدوا على هذه البسيطة، لكن حقد الصحراء الذي تملك النفوس المريضة لملوك وأمراء – نصبتهم أمريكا وبالقوة على شعوبهم- لا يريد أن يتوقف، ومازالت أدواتهم توغل في الإساءة لكل جهد وطني يبذل للم الشمل السوري، وعلى لسان بعض “المتقرشين” الذين باعوا أسمى ما يملك الإنسان، بأرخص الأثمان.
هؤلاء لا أمل يرتجى منهم، لأنهم ببساطة فقدوا الإحساس نهائيا بالمواطنة والانتماء، وعندما يفقد الانسان هذا الإحساس النبيل، يصبح كما البهيمة السائبة، كيفما أدارته العصا يطيع، أما ما يسمى العقل عندهم، فهو لا يعدو عن كونه ورما خبيثا لا أمل في شفائه من قيح الحقد البغيض، الحقد الذي سيأكل قلوبهم قبل أي شيء أخر، أما نحن فماضون في بناء ما خربته الحرب، بزنود المخلصين من أخوتنا وأبنائنا وأهلنا، وبهمة رجال تلين عريكة الحديد ولا تلين عريكة كرامتهم ولا همتهم، في الزود بالروح والدم، عن كل القيم السورية النبيلة، التي علمت العالم برمته، أن الأيمان بقضية محقة والدفاع عنها، هو أقوى من كل أسلحة الدمار والبغض التي يحاربونا فيها، وسوف ننتصر.
تمّام علي بركات