العلاقات السورية – الفرنسية في ظل المستجدات الراهنة
شهد العلاقات السورية الفرنسية بعض المحاولات الغير رسمية لإعادتها إلى مسارها السابق كتلك التي بادر بها ممثلين لجمعيات خيرية فرنسية؛ الذين التقوا خلال زيارتهم لسوريا بزمر من الطلبة السوريين عبر اتحادهم النشيط صراحةً، لكن على ما يبدو دون جدوى ، وبالأدلة خاصة أنّ الجهات القائمة بها(جمعيات خيرية، شخصيات معارضة لهولاند، صحفيين لا يجدون ما يأكلونه) غير قادرة على التأثير الفعلي على القنوات الرسمية لصنع القرار السياسي بحكم طبيعة النظام السياسي الفرنسي ، الأمر الذي تفصح عنه المتغيرات الداخلية الفرنسية والأخرى الدولية بما فيها الهجمة العالمية ضد سوريا التي ما تزال مستمرة ، وما يرافقها من مؤتمرات دولية غايتها – حسب تنشر وسائل الإعلام في ظاهر الأمر- إيجاد “حل” سياسي للأزمة السورية.
في عهد ساركوزي قام بزيارة إلى دمشق، ووقع رئيسا حكومتي البلدين (فرانسوا فيون- وعطري) 11 اتفاقية ووثيقة ومذكرة تفاهم للتعاون في مجالات الطيران والثقافة والتعليم والسياحة والزراعة والاقتصاد ، وحينها قال فيون: “إن فرنسا تعمل من أجل التوصل إلى تحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط بالتعاون مع الأطراف المعنية وأنها مستعدة لدعم الجهود الجارية حاليا لاستئناف المفاوضات بين سورية و”إسرائيل” .
دارت المباحثات أنذاك كما صرّح فيون مع السيد الرئيس بشار الأسد حول الملف النووي الإيراني والاتحاد من أجل المتوسط معبراً عن رغبة فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي بتوقيع اتفاق الشراكة السورية الأوروبية في وقت قريب وأن تلعب سورية دوراً كبيراً في تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ، وفجأة بعد مجيء هولاند يبدأ عهده بما نسميه القطيعة العامة كسلاح فرنسي ضد سوريا أبان بدء الأحداث الأخيرة في سوريا التي تبين أنه مُدبر لها بمشاركة دول عالمية كانت فرنسا أحدها سواء عبر مخابراتها، أو دعم للمتطرفين وتقديم تسهيلات حدودية، وتوفير غطاء دبلوماسي دولي عبر المنظمات الدولية وغير ذلك مما يثبت تورط فرنسا في سفك الدم السوري وكل ذلك كان تحت ستار سياسي، ومن ذلك قول هولاند: أننا بانتظار عودة الاستقرار في سورية، علينا أن نقدّم العون للشعب السوري، ووعد بتنظّيم مؤتمر دولي بشأن اللاجئين، وإيجاد الموارد المالية الضرورية ، وتنظيم أنشطة التضامن مع اللاجئين.
عملياً إن مجرّد التدقيق بما قال الفرنسيين، وماهية أوضاعهم الداخلية يدحض ما يدّعون ، بالنسبة لمسألة اللاجئين، فهم يتجاهلون أن من بينهم ارهابيين قاتلوا ضد الشعب والدولة السوريتين، كما أن المسافرين لفرنسا يعانون من مشكلة الاندماج ، ومما يعيق اندماجهم بالمجتمع الفرنسي ظهور بوادر تضخم الأزمة الاقتصادية في فرنسا وارتفاع أصوات ترفض سياسات التقشف وأخرى تدعو إليها, تعلو أصوات المطالبين بحل المشكلة الاقتصادية بتخلي فرنسا عن مسؤولياتها إزاء المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين العاطلين عن العمل، وأنا هنا لا أدافع عن المهاجرين بل أُوضح حجم الكذب على الرأي العام العالمي والداخلي الفرنسي.
بخصوص ضخ مال فرنسي في سوريا، فنقول: إن هروب رؤوس الأموال أحد أسوأ الانعكاسات الاقتصادية للحرب على سوريا، فقد هرب ما يقدّر بنحو 22 مليار دولار من رؤوس الأموال للخارج، وانكمش الاقتصاد السوري – مثال- ما نسبته 30% إلى 40 % في عام 2012، وخروج ما يزيد على 60% من رجال المال والأعمال السوريين للخارج كان من بين الدول التي حاولت اصطيادهم كالفئران فرنسا، فأين من يقول بضخ ماله الفرنسي في سوريا.
ما نريد لفت الانتباه لدية أنّ ساركوزي وهولاند اللذين ينتميان للحزب الاشتراكي الفرنسي رغم عنادهم في ظاهر الأمر لليمين الفرنسي والمتطرف كما نصفه إلا أنهما من حيث سياستهما العملية لم يتركا شيئاً من أجندة اليمين المتطرف إلا ونفذوها في سياستهم ولم يتركوا شيئاً لليمين حتى يمارسوه، علاوة على المضايقات التي يمارسها هولاند تجاههم، وعلى سبيل المثال ما قام به القضاء الفرنسي بالفترة الأخيرة من استدعاء ماري لوبن والتحقيق معها .
ومن جانب آخر لا يمكن التعويل على اليمين الفرنسي في حال وصوله إلى الحكم وذلك بالنظر إلى برامجهم الخاصة بهم مثل معاداة المهاجرين ونظرتهم السلبية تجاه المسلمين، والتفسير الزئبقي لمفهوم الإرهاب والإرهابين ، وعلى الرغم من وجود نقاط مشتركة بين السياستين الفرنسية والسورية إلا أنّ فرنسا ككل لا تستطيع الخروج عن فلك السياسة الأوربية لأن ذلك سيفسر أنّه انقلاب على شركاؤهم وهذا له مغبّة ونتائج خطيرة يخاف السياسيون الفرنسيون من مغبتها.
ونظراً لما ورد من أسباب سالفة الذكر تعتبر بمثابة مقيدات ومحددات للسياسة الفرنسية تجاه سوريا، فإن عودة العلاقات بين البلدين بعيد جداً بالفترة الحالية ، دون أن يخدعنا ما دعا إليه وزير الخارجية الفرنسي مؤخراً (جان مارك آيرولت)، إلى عدم التركيز على مصير الرئيس الأسد في إطار المساعي للتوصل لحل للأزمة السورية وإنهاء الاقتتال بين الأطراف المتنازعة في سوريا، دون أن ننسى أن الفرنسي ينكر دوره الكبير في التآمر ضد سوريا، وما قدمه إقليمياً ودولياً وعلى الصعد الشتى لدعم أعداء السوري ، دون أن نحمل الشعب الفرنسي مغبة ووزر سياسات حكوماته، ولذلك كله لا رجوع لمسار العلاقات الفرنسية – السورية في الوقت الراهن.
خاص البعث ميديا|| أ. ساعود ساعود