Uncategorized

“المواطنة بين التنظير والممارسة” في محاضرة للدكتور عبد اللطيف عمران بمدرسة الإعداد المركزية

البعث ميديا|| ريف دمشق-بلال ديب:

طرح الرفيق الدكتور عبد اللطيف عمران المدير العام لدار البعث، أمس في لقاء فكري تحت عنوان “المواطنة بين التنظير والممارسة” على مدرج مدرسة الإعداد الحزبي المركزية في مدينة التل بريف دمشق، مفهوم المواطنة، انطلاقاً من إشكالية الحديث عن الوحدة الوطنية الذي ساد الأحاديث والشعارات لمدة ليست بقصيرة، غير أن حجم الخسارة التي تفاجأ بها المجتمع السوري لم تكن بسيطة، والتي قد تكون نتيجة عدم رسوخ الوطنية في أذهان الكثيرين وممارساتهم، فمفرزات الأزمة التي تعيشها البلاد أثبتت أن مفهوم الوطنية والمواطنة يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل كي يصل بشكله الصحيح إلى الأفراد، وبالتالي يتجلى في حياة المجتمع، وهو ما تحاول مدرسة الإعداد الحزبي المركزية العمل عليه من خلال أبجديات خطتها التي تتناول هذا الموضوع.

وتحدّث الدكتور عمران عن المشاريع التي يطلقها البعض لتدمير الدول والأنظمة السياسية، كالفدرالية والحكم الذاتي، وأشار إلى أن محاولات تشويه الخطاب القومي واتهامه بالتضخّم وابتلاع الآخر، ووصف مفهوم العروبة بالفضفاض واتهامه بتجاهل المكوّنات الوطنية الأخرى في الوطن العربي، كالأكراد والسريان والآشوريين وغيرهم، هي محاولات تتجاهل الحقائق المثبتة بأن المفاهيم الوطنية والتحررية والوطنية هي التي سادت بلادنا دون انتقاص حقوق الآخرين بل كان الجميع يتمتعون بحقوقهم كمواطنين بدون النظر إلى الطيف الذي ينتمون إليه، وأضاف: كل تلك المحاولات وغيرها تفرض علينا واجب التشخيص الصحيح للواقع والاجتهاد في ذلك من أجل تكريس مفهوم المواطنة والوطنية والوحدة الوطنية، كي لا يبقى الحديث في هذه الأمور كالسراب، وأكد أن مفهوم الوطنية اليوم موضع عمل من كافة القوى والأحزاب في المنطقة، وليس فقط من قبل حزبنا، ومع صعوبة الحالة التي نعيشها إلا أننا لسنا منهزمين ولا يائسين، بل إن التيارات اليسارية والقومية مستعدة لنهضة مدوية قد تظهر في أي لحظة، وفي المقابل فان التيارات الأصولية، ولا سيما الإخوان المسلمون، في طريقهم إلى الانتحار.

وقال عمران: قد يكون تساؤلنا مشروعاً حول ما آلت إليه حال التيارات اليسارية والقومية، لا سيما في الأقطار العربية أو حتى في الاتحاد السوفييتي، ولكن لو نظرنا في كتاب المفكر الفرنسي جاك دريدا، الذي حمل عنوان “أطياف ماركس”، لوجدنا فيه: “إننا لا نعلم في أي لحظة سيعود اليسار ومشروعه سينهض من جديد وبشكل مدوي وقوي”، والشواهد على ذلك بدأت تظهر، فها هي مجموعة البريكس، وفي أميركيا اللاتينية تتقدّم التيارات اليسارية والأحزاب هناك ناهضة ومتصدية لنزعة الهيمنة والتفرّد.

أما حول الاتهامات التي تتكرّر لسورية بالشمولية والسلطة المركزية، فقال الدكتور عمران: إن من يتحدّث بذلك يجهل معنى مركزية الدولة، فهي الدولة التي تتوزّع فيها مفردات التنمية بالتساوي بين الأقاليم، ففي سورية ما من بلدة إلا وفيها وحدة إرشاد زراعية ومركز صحي ونقطة ثقافية ومدرسة، كما أن نظام الإدارة المحلية ومجلس الشعب يأخذ مسألة التوزيع العادل بعين الاعتبار، وبالتالي نتمتع بدولة وطنية حقيقية في كافة أرجاء القطر، ولذلك فإن هذا الصعود الدولي لخطاب الفدرالية والتقسيم هو خطاب غير منطقي وغير وطني ولا ينطق به أبناء سورية، وبالتالي لم يستجب له أحد، فهو خطاب محمّل بالخرائط، وهو لا تطال سورية فحسب بل يمتد إلى الأردن والسعودية وليبيا وغيرها من دول المنطقة، ولذلك أن يكون التصدي لهذا المشروع على المستوى القومي وليس الوطني فقط، وأكد أن سورية بلد  صغير جغرافياً لا يحتمل التقسيم، كما أن فيها من الاعتبارات الحضارية والتاريخية والجغرافية ما ينفي أي احتمال لتقسيمها، وأن أي استهداف للمواطنة والوطنية هو استهداف للعيش المشترك وليس استهدافاً للنظام السياسي أو للحزب بل هو استهداف للفرد والمجتمع والدولة الوطنية.

وشرح الدكتور عمران التعاريف المتنوّعة للمواطنة تبعاً لسياقها في العلوم الاجتماعية أو السياسة والمجتمع والسلطة، ما يربط تعريفها بالزمان والمكان، فالمواطنة وفقاً لدائرة المعارف البريطانية علاقة بين الفرد والدولة، كما يحددها قانون الدولة، لكن تطوّر العلاقات وتباينها بين الفرد والمجتمع والسلطة أدى إلى تطوّر المفهوم عملياً ونظرياً.

وفي حديثه عن المشاريع الدخيلة على بدنا تطرّق الدكتور عمران إلى ما يسمى المشروع “الجهادي” العالمي الذي يمكن وصفه بالمشروع الاحلالي الاستيطاني مشابهاً للمشروع الصهيوني، والذي يقوم على الدم والقتل وعلى إمكانية إقامة الدولة في أي مكان يصلون إليه بعد قتل سكان البلد الأصليين، ومع كل الدعم الذي يتلقاه هذا المشروع إلا أنه لا يمكن أن يصل إلى إقامة كيان ثالث على غرار أميركا والكيان الصهيوني لأن من يقوم بدعم هذا المشروع لا يريد منه إلا تفتيت وتدمير الدول الوطنية وإذابتها ونزع الحدود وإلغائها في المنطقة، كما أن الجذر الفكري لذلك المشروع يكمن في الوهابية التي تقوم على قتل الجوار أولاً وقتل الجميع أياً كان، لذلك نرى ونلاحظ أن مجموع قتلى تلك الجماعات الإرهابية التي تقاتل في سورية والناتج عن اقتتالهم بين بعضهم أكبر من عدد قتلاهم أثناء معركتهم مع الدولة السورية.

وتنوّعت مداخلات وأسئلة الدارسين حول المفاهيم والآليات اللازمة للدفاع عن الوطنية وتحصينها وتفعيل الحوار البنّاء وضبط مفهوم المصالحة وتقويمه.