الإنسان.. المشروع الذي لا يخسر
في الحياة وشرعتها التي سنتها الطبيعة للبشر، وفي النسيج أو المشروع الحيوي الإنساني، يعتبر الطفل إنسان في طور البناء، فنحن نعطيه الأفضل من كل شيء، أفضل رعاية لأنه لا يزال هشّا، أفضل غذاء كي ينمو ويكبر، أفضل طبابة لأن جسمه حساس وضعيف، أفضل تعليم لأن دماغه لا يزال في طور النمو… إلخ.
وعلى هذا فمن المفترض أن نعطيه الأفضل في كل شيء أيضا، كالفن مثلا، بما أن ذائقته الفنية لا تزال فطرية غير مشوهة، إلا أننا للأسف لا نفعل هذا! فنحن لا نولي الفن الخاص بالأطفال العناية الواجبة، فمعظم الفن الموجه للأطفال الّذي ننتجه لا يليق بالطفل الذي من المفترض أنه سيكون إنسان المستقبل، أي الإنسان الأكثر منا تطورا، لكن هذا “المفترض” يجب أن ينسحب على كافة المجالات الأخرى، فمن المعروف أنه حينما تريد “أُمةٌ” ما، تحقيق النجاح في مجال ما _علميّ أو ثقافيّ أو رياضي – فأنها تستثمر في أطفالها وتنتظر ظهور النتائج بعد عشر أو عشرين سنة، فلا يوجد نجاح آنيٌّ سريع، فالنجاح السريع لا يدوم ولا يستمر طويلاً، وهذا ما أدركه اليابانيون مثلا حين رأوا قصورهم وتأخرهم بين الأمم الأخرى والدول الأخرى في مجال كرة القدم ، فماذا فعلوا في هذا الشأن؟ وكيف عالجوا هذا الضعف الغير مقبول، بالنسبة لحالة عامة أو لروح بلد وشعب بأكمله خارج من حرب قاسية، يدل أي ضعف في صورته العامة على ضعفه كله – وهذه من النظريات الخطيرة في الأعلام الذي يترافق مع الحروب، حيث يتم التركز على خلل بسيط ليصبح هالة وكارثة ربا-.
كان المنتخب الياباني لكرة القدم طوال أربعة عقود منتخبا ضعيفا للغاية، لم يحقّق نتائج تذكر خلال النسخ التسع الأولى من كأس آسيا للأُمم التي انطلقت عام1956، كما فشل في التأهل إلى نهائيات كأس العالم على مدى خمس عشرة نسخة أُقيمت قبل عام 1998، وهكذا فكر اليابانيون بالطريقة المثلى لتطوير كرة القدم في بلدهم، ليرتفع اسم اليابان في المحافل الكروية الدولية، ورأوا أن أفضل الطرق هي الاستثمار في الأطفال ليكون لديهم لاحقا وبعد سنوات أجيال من اللاعبين المهرة الذين سيرفعون اسم اليابان ويجعلونه من أهم الأسماء الكروية في قارة آسيا وفي العالم.
أما كيف فعل اليابانبون هذا؟ فكان من خلال عدة أساليب ومن أهم الأساليب التي بث فيها اليابانيون حب كرة القدم في نفوس أطفالهم كانت القصص المصورة وأفلام الكرتون، أي الفن، وهكذا ظهر الكابتن” تسوباسا أوزورا” الذي نعرفه نحن باسم الكابتن “ماجد” حيث صدرتْ القصص المصورة الخاصة بالكابتن “تسوباسا” عام 1981، واستمرت في الصدور حتّى عام 1988، بينما ظهر المسلسل الكرتوني عام 1983 حتى عام 1986 بعدد حلقات بلغ 128 حلقة، وقد لاقى الكابتن “تسوباسا” نجاحا كبيرا في اليابان، وساهم هذا المسلسل الكرتوني في بثّ حُبّ كُرة القدم في نفوس الأطفال اليابانيين ليكبروا لاحقاً ويبرز من بين الجيل الأوّل الّذي عرف “تسوباسا” منتخب كروي انتزع كأس آسيا لأول مرة عام 1992 خلال البطولة التي أُقيمت في اليابان، وتبعه جيل آخر من عشاق “تسوباسا” نجح بالوصول إلى نهائيات كأس العالم في فرنسا عام 1998، لأوّل مرّة في تاريخ اليابان, كما أنّه انتزع كأس الأُمم الآسيوية في دورتين مُتتاليّتين عامَي 2000 و2004 في النهائيات الّتي أُقيمتْ في لُبنان وفي الصين على التوالي وانتزعه أيضاً عام 2011 في قطر, ليكون المُنتخب الياباني أكثر المُنتخبات حيازةً لكأس آسيا وذلك خلال فترة قصيرة نسبيّاً, كما قدّم المُنتخب الياباني أداءً مُشرّفاً في نهائيات كأس العالم 2002 و2006 و2010 و2014, ليُصبح المُنتخب الياباني بأجياله مُنتخباً مُرعباً بعد أن كان مُنتخباً ضعيفاً يهزمه الجميع, ولينتشر اللاعبون اليابانيّون في أقوى الدوريّات الأوروبية, لتتجسّد قصّة الكابتن “تسوباسا” أو الكابتن “ماجد” على أرض الواقع من خلال اللاعبين اليابانيين, وحتّى قصّة المُدرّب “فوّاز” ذي الأصل البرازيلي تُشبه قصّة اللاعب والمُدرّب البرازيلي الفذّ “زيكو” الّذي لعب لصالح فريق “كاشيما أنتلرز” الياباني في بداية التسعينات ودرّبه بعدها كما درّب المُنتخب الياباني وكانت له بصمات واضحة على الكُرة اليابانية.
ورُغم المُبالغات الّتي ظهرتْ في مُسلسل الكابتن “ماجد” من حيث الركلات العجيبة والقفزات غير المنطقية, إلّا أنّ هذا ساهم في توسيع مدارك وخيال الطفل الياباني ليسعى لتحقيق أقصى ما يستطيع ليكون لاعباً مُاهراً في المُستقبل, وقد ظهر مُسلسل الكابتن “ماجد” في الوطن العربي عام 1990 من خلال شركة “يونغ فيوتشر” الأُردنية الّتي دبلجتْ أوّل 55 حلقة ليكون الجزء الأوّل, ثمّ يأتي مركز “الزُهرة” في دمشق ليُدبلج الحلقات ال73 الباقية في الجُزئين الثاني والثالث, وبعدها دبلج أيضاً حلقات إضافية أنتجها اليابانيّون خلال فترة التسعينيات ليكون لدينا الجزء الرابع وبعدها الجزء والخامس.
ساهم الكابتن “ماجد” في حُبّ الأطفال العرب لكُرة القدم, وأصبح مُعظم الأطفال يتخيّلون أنّهم “ماجد” أو “بسّام” أو “ياسين” أو “وليد” أو “رعد” خلال لعبهم لكُرة القدم، وفعلاً ظهر بعض أهم اللاعبين السوريين والعرب، الذين وصلت تأثير ماجد وقبله “حميدو” والعديد ن الأعمال المحبوكة بعناية بالغة لتنشئة جيل مهمته أن صنع المستقبل وتنهض الأوطان بهمته من الكبوات.
هذا في نوع مهم من الرياضة، لكنها ذهبت أيضا لتنشئة أجيال تحب العمل والكفاح والحكمة، أجيال تبني وتستمر بالبناء، ودعوا مرة أخرى لا ننسى أنها أي اليابان، كانت خارجة شبه مدمرة من حرب عالمية قصفتها فيها بلاد المجرم “سام” بالأسلحة النووية والذرية.
لم نسق المثال السابق كي لا نقل شيئا في النهاية، رغم أن المعنى والمقصود واضحا من الكلام، للأسف نحن متراجعون جدا في هذا الشأن، وهذا يجب أن نأخذه على محمل الجد وبكثير من العناية، فهذا مستقبل وطن كامل، يجب أن تنهض فيهى الأجيال التي تحصنت بصحيح المعرفة والعلم ومتانة الانتماء للأوطان أولا وأخرا.
تمّام علي بركات