إلاّ حماقة المعارضة
ازداد حضور الطُرف والنُكت والسخرية من المعارضة والإرهابيين في وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، وأقبل عليها المتصفّحون. ويتمنى المرء لو يتمكن من سرد بعضها ليتضح تهافت أغلب المعارضين، هذا عدا عن العمالة والارتزاق وصولاً إلى الخذلان والضياع. فلا امتدادَ جماهيرياً لها، ولا ثقة قابلة للتبادل، ويستحيل أن تكون قوة وطنية حقيقية لازدواجية التبعية والهشاشة فيها.
خلال السنوات التي خلت من عمر «الحرب على سورية» كثُرت المقالات والدراسات التي بيّنت بالتفصيل الواقع الهزيل والمخزي لهذه المعارضة ولاسيما تلك التي لم تكتفِ بالرجعية العربية والعثمانية ملاذاً وأملاً لها، فوصلت إلى المأجورية للإرهاب التكفيري من جهة وإلى الإرهاب من جهة ثانية.
هذه المعارضة المتشرذمة صارت عصيّة على التصنيف، لا يُعرف لها أصل ولا استراتيجية ولا هدف ذو مغزى معقول ومقبول حتى من محازبيها، بسبب من هُزالها وتبعيتها وفقرها المعنوي أولاً، ولأنها ثانياً في أغلبها لم تقرأ كتاباً، ولم تنخرط في تاريخها في نسق فكري أو نضالي أو حواري، فارتمت بسهولة في أحضان البترودولار، ولم تجد لها نصيراً يشدّ أزرها وفق استراتيجيتها أهم من الإرهابي، ولنا في الحوار معها في بداية الأزمة وفي جنيف وأستانا خير دليل.
ويبدو أن هكذا معارضة ستدخل التاريخ كشاهد على الخسّة والذل والهوان، ولن يحتاج الباحث معها إلى تعب ليُثبت ذلك، فهي تكشف بسهولة ووضوح ويُسر عن ذلك، بما لايحتاج إلى عناء في التحليل والاستنتاج، ولاسيما حين تقتتل وتتشظّى وتتشرذم وتتهافت، وفوق كل هذا حين تهون ويسهل عليها الهوان وهي تتلطّى خلف الأعداء الحقيقيين للمشروع الوطني العروبي فتنأى عنه، بل تطعنه في الصميم بملاذها إلى أطراف التحالف الصهيوأطلسي الرجعي العربي، العدو التاريخي للأفق الحضاري للعروبة والإسلام.
ونحن حين نكون من بين الملايين الذين يرون هذا الرأي فإننا لا ننزّه أنفسنا عن الخطأ، ولا ندّعي العِـصمة، ولانجد في نظرية المؤامرة عاصماً لنا وكافياً وغانياً عن البحث في قصور العامل الذاتي، لكن عزاءنا أننا لم نتآمر، ولم نفرط بحقوق الشعب ومصالح الوطن وقضايا الأمة، ولاسيما القضية المركزية. بل أكّدنا بقوة أن الأوطان في هكذا أحوال لا تتحمّل الموقف الرمادي. وحين تتعلق المسألة بمصير الوطن والأمة فلا خيار ثالثاً أبداً.
إذن، أقبل المتصفّحون على الطُرف والنكت حول هكذا معارضة في وسائل التواصل الاجتماعي، ووجدوا، خاصة بعد زيارة ترامب وقمم الرياض والخلاف السعودي القطري، مادة غنيّة ومشجعة ومناسبة للسخرية من المعارضة ومشغّليها، وكانت رقصة العرضة السعودية الترامبية من بين المواد، وكذلك نظرة أبناء سعود الحالمة إلى زوج ترامب وابنته… وصولاً إلى انفعال بعض حكام الخليج تجاه قطر وحصارها واتهامها وهّابياً بدعم التطرّف والتكفير والإرهاب.
وهنا تاهت المعارضة وتضعضعت وصار رهانها على الثلاثي: الرياض – الدوحة – أنقرة خياراً مرهقاً جداً وبعيداً عن الاطمئنان والاستقرار والقرار.
في هذه المعمعة، يقال إن معارضاً ذهب ليشتري دجاجة فطلب من البائع الذي سأله: تريدها موالية أم معارضة؟، فأجاب: معارضة طبعاً، فغاب البائع برهة وأحضر له الدجاجة، فسأله: كيف لنا أن نتأكد من أنها معارضة؟، فأجاب البائع: هذا سهل، كل الدجاج حولها كان يأكل الحبوب إلا هي لوحدها كانت تأكل… !
وهنا النكتة معبّرة، وهي في هذا السياق أحد أشكال التعبير السياسي، وتختزل من مشاعر الناس وواقعهم ما لا يستطيع أن ينهض به المقال السياسي، لأن قدرتها في التعبير عن الحال أمتع وأرسخ، وأعمق أيضاً، وربما تكون أصدق. و”سيكولوجيا الضحك” هي سيكولوجيا الجماهير كما رأى د. زكريا ابراهيم مقتبساً عن الفرنسي برغسون فيلسوف “الضحك”، والكتاب ترجمة د. سامي الدروبي ود. عبد الله عبد الدايم. والضحك مقترن بالمفارقة، ولا شك أن الحماقة هنا عامل مهم.
وإقبال الشعوب على الضحك في أوقات الشدة مؤشر على الانفراج القريب هذا من جهة، ومن جهة ثانية فلطالما استفادت الحكومات من توظيف النكتة وسيرورتها، ولطالما راهنت أيضاً على توظيفها واستثمارها، الأمر الذي يجعل هذه الأوقات فرصة مناسبة لإرسال مئات النكت في الشارع واستغلالها، ولا سيما حين نحظى بطرف مقابل أحمق.
لكن من المؤكد أن الحماقة داء و: لكل داء دواء يُستطبّ به / إلا الحماقة أعيت من يداويها. ويبدو أن حماقة المعارضة ليست من هذا القبيل، فالأحداث الجارية في الخليج هي من مؤشرات الدواء، لكن الدواء الأهم هو ما يجترحه الجيش العربي السوري والقيادة السياسية من صمود وتقدّم في الميدانين السياسي والعسكري، والاجتماعي أيضاً حيث المصالحات والتسامح والعفو.
وحقيقة يكون أحمقَ من لا يتبصّر في انتقال الإدارة الأمريكية من الاستثمار في الإرهاب، إلى الاستثمار في الحماقة.. ولعل تداعيات زيارة ترامب إلى الرياض أبرز دليل عليها.
د. عبد اللطيف عمران