ماء صوتك وخبزه
أحيا على ماء صوتكِ وخبزه منذ سنين طويلة لم أعد مهتما بإحصائها!.
أعوام مرّت وليالٍ أبطلت عادة عدّها، لكني صرت كأي سجين، أرسم خطا متعرجا يدل عليها على جدران زنزانتي التي صارت تمشي معي أين مشيت، وكأنها ظلي الذي يلبسني.
أحيا على صوتكِ، على رنته المتغيرة برشاقة، في كل مرة تناديني بها “حبيبي”؟
استعيدها كلما كنت شاردا في أوقات بعيدة، أو غارقا في شأن أفكر فيه، يستهلكني وكأني تبغه المفضل، حتى أنني أصبح لشدة استغراقي به، بحاجة لرافعة تنتشلني مما أنا غارق فيه.
يطوف صوتك وكأنه ذاك الغبار الذهبي السابح في جو الغرفة، محيلا قيظ هذا النهار إلى خيالات منعشة لأغان بعيدة ” هجروا الأحبة الحارة ليش البكي”، يمد يداه ويمسكني من يدي، ثم يأخذني إلى فراشي، يضعني فيه، ويغطيني بصداه الحنون.
استعيد نبرتك الحميمة وأنا أفكر أننا نتنفس الهواء ذاته، بأنك على مرمى نبضة، لكن هذا ليس صحيحا، فكما تعرفين، المسافات وهم عند الشعراء فقط، أما في واقع الحال، المسافات كالهويات، قد تكون قاتلة.
لكن هذا لا يعني أنني لا استطيع أن أحيا مكتفيا عاطفيا، على ما بقي من صوتك ورنته الأليفة في وجداني، وحسب علم الطاقة أيضا صوتك يبقى سابحا في الفضاء لا يفنى، لو أنني أستطيع بسلة واحدة، أن اجمع كل حرف نطقتِ به يوما من حيث استقر له المقام الآن، لو أنني أستطيع ذلك لأحشو به وسادتي التي اصبحت بحاجة ماسة لتلك الكلمات التي وقعت عليها منكَ سهوا، حتى أدمنتها، وها هي دونها على قيد الذبول وربا النسيان.
كلمات قلناها على عجل ونحن نهذي ربما، بأن لا سطوة للزمن علينا، لكنني لم أكن اتوقع ولا حتى في خيالي المتطرف في اللعب كما تعرفين، أن يكون صوتك حبيبي، ولم انتبه كل تلك المدة الطويلة التي لم تنقضِ بعد، لهذه الحقيقة المهلكة.
تمّام علي بركات