Uncategorized

نهاية السيادة الفرنسية.. أخطاء ماكرون القاتلة!

أثناء الاحتفال بعيد الاستقلال الوطني الفرنسي في 14 تموز 2017 ، برزت أخطاء القادم الجديد لقصر الاليزيه. وبدا واضحاً للعيان أن ” مناقب” ايمانويل ماكرون لا ترقى لمستوى مهمته الرئاسية، فمدير رؤوس الأموال القادم مباشرة من بنك”روتشيلد” لا يمكنه أن يكون زعيم سياسي فعال وذو نفوذ، ولا أن يكون رئيس دولة على مستوى مرموق، ولا حتى قائد الجيوش المؤهل والخبير. لقد جازف القادم الجديد إلى الاليزيه بحصر الجهاز العسكري بدور المنفذ، أي الجهة التنفيذية، وهذا خطأ فادح ارتكب بحق قانون التوازن هذا الذي وجد في الجمهورية الخامسة بفضل تاريخها الغني. لم يكن الجيش الفرنسي يوماً مجرد منفذ بسيط لرغبات الساسة الفرنسيين المتناقضة ، ولا شريك للقرارات السياسية الفرنسية. الجيش شيء آخر ، و قد عملت هذه الخصوصية على حماية فرنسا من الانقلابات و التمرد العسكري ، ومن المجمع”العسكري- الصناعي”. كما أن ماكرون لم يدرك أنه يجازف بتفكيك  تام لنظامنا الدفاعي القائم على الردع النووي. وما لم يتحقق تماسك العسكريين مع السياسيين في السلطة، فإن الخطر سيبقى محدقاً بفرنسا على كافة الصعد، خاصة الصعيد الاقتصادي. وجد ماكرون نفسه محاصراً بالتبعات السلبية لمغامرات الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الحربية، الذي انخرط في نفقات فرعونية عسكرية، وهو مطأطأ الرأس، في محاولة منه ليظهر بصورة خادم مخلص ووفي لإمبراطورية تدعي أنها في مقدمة الأمم. كل هذه الحروب في أفريقيا، في سورية من خلال تمويل و تأطير وتجنيد مجرمي داعش وجبهة النصرة ، تم تمويلها بلا روية وبلا تعقل وبطريقة غير ملائمة.

حروب فرنسا هذه ،الرعناء والباهظة التكاليف، التي شنتها بالنيابة عن الولايات المتحدة كي يكون بمقدورها تجاوز العالم والفرنسيين أنفسهم بشكل أفضل عندما تقتضي الضرورة. ، لم يتخل عنها ماكرون بل على العكس يصر عليها من خلال السماح لنفسه تأنيب وتوبيخ ردة فعل ومسؤولية الجنرال “فييير” الذي رأى في طريقة تصرف ماكرون خيانة تتعلق بالدور والمكانة اللتان يحتلهما الجيش في القرارات الحاسمة المتخذة على صعيد السياسة الخارجية والداخلية لفرنسا.

ماكرون الصغير، الذي لا يتقن سوى العمل على إظهار سلطته بوصفه قائد الجيوش، لم يؤد الخدمة العسكرية وبناء على ذلك ليس بوسعه سوى إهانة العسكريين بشكل عميق وإثارة الصدمة لديهم. وسوف تتالى تبعات هذا الأمر الواحدة تلو الأخرى ، سوف نشهد فوضى وخلل غير مسبوقين في مقاعد الجمعية الوطنية، ومشهد هزيمة تعزى إلى تهاوي” الأكثرية الرئاسية” و عدم أهليتها المثبتة. قبالة هؤلاء النواب العديمو الخبرة، الذين يظهرون دليلاً قاطعاً على افتقارهم للخبرة وعلى تشتتهم الفوضوي، انطلق مجلس النواب “الجمعية الوطنية”  لشن هجوم على المبادرات لإنقاذ صورة فرنسا من سخرية معلنة. فقد دافع البرلمان عن قانون جديد للبرمجة العسكرية بناء على تقرير تم تبنيه بالاجماع تقريباً وسوف يتم التصويت عليه، أي القانون” في الخريف المقبل لكنه يشكل إهانة جديدة مباشرة “للعاهل” المطلق الجديد للجمهورية الخامسة. إن ما يجري الآن في فرنسا يجب إدراجه في سياق العولمة. الحقيقة الأولى التي يجب أن نتقبلها ونسلم بها-نحن الفرنسيين- أننا رهينة حقيقة مزيفة اعتبرها المدافعون عن النظام المالي الدولي بمثابة أمر ” واقعي” غير قابل للتغيير و “إلزامي”، كمقياس “للموضوعية البراغماتية” ، وكـ”أمر حتمي” لكل منظومة دول الحلف الأطلسي.

إذاً الموضوع برمته يتعلق بالنظام المالي الذي يتبع للولايات المتحدة ولبنك “سيتي” ، والمدافعون عنه على شاكلة ايمانويل ماكرون و كل الذين يؤيدونه ويدعمونه. كما يجب التسليم بان دول أخرى مثل ايسلاندا ، الأرجنتين، بوليفيا والإكوادور مع دول أخرى أظهرت عام 2008 ” تفاقم الدين” وحقيقته الزائفة والمجوفة تماماً. أصدر رافاييل كوريا ، رئيس الإكوادور مرسوما  ينص على إلغاء 39% من الديون الخاصة بالمستثمرين الأجانب لان هذا الدين باعتقاده ” لا شرعي، ومخالف للقانون، وغير نزيه “. و تُعتبر بنظره المؤسسات المالية القابضة لسندات الدولة هي المسؤولة عن ارتفاع نسبة الديون للإكوادور لأنها كانت تضارب على نفسها علناً. ولكن هذا هو حال معظم الدول الخاضعة لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ،لم تتواجد الاستثمارات فيها لتطوير وتنمية البلاد وإنما من اجل نهب مواردها   … من يملك الجرأة والشجاعة لقول هذه الحقيقة غير من هم على شاكلة رافاييل كوريا؟  عام 2007، أثناء الأزمة المالية التي أثارتها فضيحة “الرهن العقاري”الأمريكية، خلصت اللجنة الإكوادورية في ختام جلسة الاستماع الخاصة بالدين العام إلى نتيجة مفادها أن ” الدين التجاري الخارجي خدم كآلية لا شرعية ولا قانونية للنهب بين عام 1976-2006 ، حيث مضى حجم الدين العام من 16 مليون دولار عام 1976 إلى 4،2 مليار دولار في عام 2006 لأسباب معروفة جيداً وتم تحليلها من قبل اللجنة التي انتقدت الخروقات التعسفية للمستثمرين الأمريكيين الذين لم يأتوا لهذا البلد إلا من أجل نهب ثرواته و لاستثمار جذري لموارده وليس من أجل تطوره. باختصار هذا نموذج هام لمهمة السلب التي تؤديها الولايات المتحدة على مستوى العالم برمته. حالياً، هناك تحول في المخاطر والمجازفات ونوع من ” هجرة ” هذه المخاطر خارج القطاع المصرفي، وماكرون يعلم ذلك.

عام 2015 ، أشار المختصون في مركز التمويل الدولي إلى أن الخطر المحدق لم يعد يقتصر على الاقتصاد، بل بات يطال ما هو خارجه وسوف يؤدي إلى سرطان النظام المالي،  وهو عبارة عن ظاهرة مغلوطة تاريخياً تؤدي إلى تفجر حجم الإيرادات إلى مستوى مسموم جديد. و توصلوا إلى النتيجة التالية:” نفس الأمر سيحصل مع التدابير المتخذة لجعل النظام المالي أكثر ثباتاً واستقراراً منذ حدوث الأزمة المالية”. نعلم جيداً بفضل التاريخ أن الشعوب في هذا الوقت معرضة أكثر من أي وقت مضى لعنف الانفجار الاقتصادي الذي سيجر معه الدمار و الثورات الدامية. ايمانويل ماكرون مناصر شديد الحماس لليبرالية المتطرفة المعولمة و”البراغماتية” وقال أثناء حملته الانتخابية: ” من جر وولد كل المآسي التي نعيشها منذ إبرام اتفاقات جامايكا عام 1976 هم الذين فتحوا آلة النهب التجارية. وبنظره وهو الذي انكب بقوة على الطبيعة الجوهرية لليبرالية المتطرفة، اكتشف أن هذه الإيديولوجية الخداعة والمراوغة ما هي إلا فاشية شرعية جرّت معها منطق لا يمكن تفاديه هو منطق التسلطية الذي تلمسناه في سلوكيات وتصرفات ماكرون الذي لا يتوقف عن تكديس الأخطاء ،وسوف يعمل على تنشيط هذا الوضع المتفجر، مع فريقه، معتمداً على جيوش الرايخ الرابع، الناتو، وعلى الخدمة الخاصة بـ”البراغماتية” المادية للعولمة، حاجباً ولاغياً دفاع فرنسا المستقل وإبعادها إلى صفوف ” الوحدات  المساعدة ” لجوقات الإمبراطورية ، من اجل الأعمال القذرة الرامية لقمع الشعوب الأوروبية المقهورة.

بالتالي من بمقدوره جدياً الدفاع عن شرعية ماكرون الديمقراطية عندما نعلم أن عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية تم طهيها بعناية من قبل 90% من وسائل الإعلام الفرنسية والأجنبية التي استنفرت وأطلقت حملة لدعم هذا الزبون؟ وما هي شرعية اقتراع أجبر ملايين الناخبين الفرنسيين على التصويت لمرشح لا يمثل خياراتهم، من خلال تقديم شرط كلمة المرور” صوتك مفيد”؟ وما هي شرعية” مرشح مبشر” لم يكن يمثل في الجولة الأولى من الانتخابات سوى 18%من أصوات الناخبين؟

كتب جان لوك ميلانشون، المرشح للانتخابات الرئاسية 2017،  في نصٍ حديث:” في معظم الدول الأوروبية ، نتيجة الانتخابات التشريعية هي التي تحسم مسألة تعيين أو تسمية الحكومة. وفي فرنسا يحصل العكس، إذ يجد المرء نفسه مع انتخابات تشريعية لم يشارك فيها أحد ومن ثم نجد أكثرية برلمانية غريبة حصلت على 60 أو 70% من المقاعد التي تمثل 15%من الناخبين المسجلين”.

نستخلص من مجموع هذه الملاحظات ما هو متوقع: قريباً سيأتي اليوم الذي سيجد فيه ماكرون نفسه في وضع صعب لا يحسد عليه” الرجل الوحيد” لأنه سيفقد الشرعية بكل بساطة. ومع الأخذ بعين الاعتبار ما أظهره لنا عن شخصيته، فمن المحتمل أن يقع تحت اختبار التسلطية التي أظهرها في علاقاته مع الصحفيين وان يفاجأ بعودة العصا التي استخدمها في علاقاته مع أعلى السلطات العسكرية التي يريد فرض هيمنته عليها من خلال تأكيده على تسلطه المطلق، وتقليص دورهم واختصاره بدور المنفذين لا أكثر.

إن خطر انسياق سلطوي لحكم ماكرون بات أمراً بديهياً مكتسباً خاصة عندما سيرغم بقوة على مواجهة التفجرات الاجتماعية التي قد تحدث  في أي لحظة، ومواجهة الارتياب من ” فرنسا المحيطية”، أي فرنسا شريحة المتواضعين من العمال الذين انضموا إلى العسكريين من باب واجب الاقتصاد في المعيشة لتحمل أعباء برنامج التقشف الذي تم وضعه بناء على رغبتهم.

العسكريون كما العمال لا يملكون لا الفرصة ولا الخيار في وضع ” أملاكهم” في الجنان المالية أوفي القلاع الأوروبية المعتمدة لتواطؤ الأغنياء. وكما جرت العادة فان شريحة المتواضعين مع أولئك الذين يقومون بمهمة أن يكونوا بخدمة الشعب ، هم الأكثر عرضة والأسهل ليكونوا تحت هيمنة التلاعب والخوف والأداة العملية”للإرهاب” . هذه الشريحة الرئيسية من الشعب هي القادرة على تغيير التوزيعة ولكن دائماً لصالح أولئك الذين يخدمون رأس المال من اجل رأس المال عينه…

إن التبعات الكارثية لكل هذه الأخطاء بدأً بخطأ اللاشرعية، ستعمل على إغراق فرنسا في أزمة ثقة عميقة، رأيناها سابقاً عند العسكريين و تشكلت منذ وقت طويل في عقلية المواطن. أزمة سيكون لها ارتدادات على كل دول الاتحاد الأوروبي. ايطاليا غاضبة من ماكرون وأبلغته إنها ليست مستعمرة من مستعمرات فرنسا السابقة. مفاهيم ماكرون تندرج في سياق الاستعمار الجديد، والأزمة ستمضي بالتفاقم مع مثل هذه المفاهيم المنحازة لإيديولوجية النظام العالمي الجديد، خاصة فيما يتعلق بمسالة الدفاع الأساسية في وجه الناتو النهّاب الذي يبث الحقد و الدم في أوكرانيا الموجهة لتكون شعلة الانفجار للوضع العام المرتبك من اجل ترويض الشعوب الأوروبية المحكوم عليها بأنها”متمردة”، واستغلالها بهدوء من قبل “خطط مارشال” الجديدة.

ماكرون يا سادتي الفرنسيون ليس”جان دارك” جاء لإنقاذ فرنسا، وليس الجنرال ديغول سيعمل من اجل تحريرها بلا انقطاع ولا توقف، وليس” رولاند دو شارلمان في Roncevaux “، إنه  Ulysse، اخيليس “بطل ملحمة اوديسا ” الأزمان المعاصرة الذي يصنع ” حصان طروادة” من أجل القضاء على السيادة الفرنسية .

نقلا عن المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي