Uncategorized

السوريون يودعون معرضهم بدموع الفرح

هذه المرة الوداع كان عزيزا وغاليا، غلب على مزاجه شيء من الحزن الغامض، ربما لأن الفرح يمضي سريعا كما يقال، فمعرض دمشق الدولي في نسخته ال 59 و برمزيته العالية ورسائله الأكثر رسوخا، انتهت فعالياته لهذا العام، والقلوب التي ودعته، لوحت له وكأنه صديقها الحبيب، هذه المرة لم يكن وداعا جنائزيا، لقد كان وداعا بنكهة النصر والكرامة والشموخ، الذي رآه السوريون في انفسهم، في مرايا أرواحهم وهي تغزل حنينهم انتظارا طويلا لأشغال الحياة، يقبلون إلى هذه الفعالية لا لتسلية ولا لشراء ولا لسيران، بقدر ما كانوا مقبلين على الحياة ذاتها، على أفعالها و طبيعتها الأمنة والحرة التي اعتادوا، على بساطتها والفتها التي جمعت بينهم لألوف السنين، وستجمع بينهم أيضا لألوف أخرى.

السيدة “سهير محمد” التي جاءت وولديها من اللاذقية لحضور فعاليات المعرض، وقفت بعينها الدمعة وهي تحاول أن تحكي عن الأيام التي قضتها وأبنائها بين جنبات معرض دمشق الدولي في نسخته ال95 والتي انتهت مؤخرا: ” عندما بدأت الإعلانات عن قيام المعرض وبرعاية شخصية من السيد الرئيس بشار الأسد، ما من سوري إلا وتنفس الصعداء، وعرف الدلالة والمقصد، لذا كان المجيء لرفع أطراف الفجر القادم مع أخوتي السوريين، واجبا أخلاقيا ووطنيا،عدا عن الأشجان الخاصة التي حركتها بدواخلي أوجه الناس وفرح الأطفال وصوت فيروز الذي لطالما سمعته والشهيد زوجي عندما كنا نأتي عشاقا إلى هذا المعرض، وها أنا اليوم أُعرف أولادي على المعرض، الذي عرفني عليه والدي في طفولتي، وهم بدورهم سيفعلون هذا، فنحن شعب لا يموت”.

المساحة الشاسعة التي أقيمت عليها أجنحة الدول المشاركة يتوسطها جوهرة العقد، الجناح السوري، جعلت من الصعب على زوار المعرض أن يقوموا بزيارة كل ما رغبوا بالتعرف عليه، وهاهو السيد “مازن” أبو بلال، يعاود القدوم إلى المعرض للمرة الرابعة على التوالي، رغم الازدحام الشديد الذي جعل الطريق إلى مدينة المعارض، وكأنه طريق الحج وسيرا على الاقدام : ” والله كنت سعيدا في كل مرة ذهبت فيها وكأنني طفل ذاهب إلى الارجوحة، لقد اشتقنا لهذه “اللمة” السورية الحلوة، اشتقنا لهذا الزحام، وأنا اشتقت إلى أولادي الذين سافروا كل في ديرة، عوض أن يكونوا اليوم من بناة هذا البلد، سيعودون هم وكل من هاجر، من لا وطن له لن تتسع له كل أوطان العالم”. ختم العم أبو بلال.

 أما “فرح” الشاعرة العشرينية والتي تعربشنا وإياها في باص واحد، بسبب كل الإقبال الذي لم نرى سابقا له، خصوصا إلى فعالية اقتصادية بالمقام الأول، فكانت ضحكتها تغني، وصوتها يطير وهي تنظر إلى الناس والباصات المكتظة والجماهير التي تسير على الاقدام: “الآن عرفت حقا كيف يكون الطريق إلى البيت، اجمل من البيت نفسه” قالت “فرح” وتابعت” : لم أرى الناس بهذه السعادة من قبل، الفرح المرتسم كألوان قوس قزح على ملامحهم يطرد الحرب ووجعها من الأرواح، سورية تتعافى، وهذه الغوطة التي تغنى بها شعراء العرب الكبار، ستعود يانعة كالجنة، سورية عائدة ونحن منتصرون” قالت فرح وشرعت بالغناء ” مرّ بي يا واعدا وعدا”.

على طول الطريق الواصل بين دوار “باب شرقي” وقف العديد من رجال الجيش العربي السوري الرسولي وحامي الحمى، وإلى عزيمتهم التي لا تلين توجهت أنظار الطفلة “مريم” وهي ترفع إشارة النصر وتغني: ” يا جيش العز” طفلة صغيرة، عرفت الحق مذ رأته واقفا يرتدي بزة مرقطة، والوطن كل الوطن، وأبنائه كل أبنائه، في قلبه، وعينه عليهم كما هي عينه الأخرى على العدو لا تغفل ولا تنام.

“حقيقة ما تركه هذا الحدث السوري المبارك، في نفوس السوريين من تجدد أمل بنصر قريب، وطمأنينة راسخة في بلاد لن يغادروها لإيمانهم بأنها الأعز، والأقوى، الحنون، الكريمة أم الكرام، سيكون له كبير الأثر على حياتهم اليومية، وأملهم بتغيير واقع اليوم الذي فيه ما فيه من الغصة واللوعة، إلى أيام بيض، لا تغيب شمس ألقها، طوبى لدماء الشهداء الذين سقت دمائهم هذه الربا والسهول حتى صار الطريق معبدا على الحياة”.

بهذا ختم العم أبو “سومر” كلامه وهو يسّلم على المعرض، ويخبره بأنه بانتظاره أواخر الصيف القادم، عندما يحين أوان عصر الكروم، وصناعة نبيذ الحياة الكريمة العزيزة، ذاك الذي لا نبيذ يضاهيه جودة وعراقة أصل

البعث ميديا || ريبورتاج: تمّام علي بركات