ثقافة وفن

الشاعرة خديجة الحسن للبعث ميديا: لم أغمض عيني عن العدوان البربري الذي اجتاح سورية

 

خديجة الحسن، شاعرة وكاتبة من حمص سجلت حضوراً هاماً في المشهد الأدبي والثقافي، بشعريتها المميزة بالحداثة في الشكل والمضمون، والمشحونة بالمشاعر الوطنية والبعد الوجداني العميق، صدر لها ديوانها الأول بعنوان (مرايا الروح)، ولها العديد من المخطوطات الجاهزة للإصدار. في حمص التقى “البعث ميديا” بالشاعرة خديجة الحسن وكان لنا هذا الحوار:

 

لماذا الشعر في هذا الزمن صعب؟

 

نحن نعيش مرحلة نضال ثقافي وذلك نتيجة مواجهة شرسة بين إرادتين، الأولى ممثلة بالظلاميين وهدفهم جرّ البلاد إلى الوراء إلى ماقبل الحضارات، إلى ظلمات الجهل، والثانية، ممثلة في النضال من أجل التطور ومسايرة الركب الحضاري بما يتلاءم وتطلعات المثقفين المخلصين من أبناء الأمة.

 

هذه المواجهة التي ترافقت مع معارك على الأرض مدّت ظلها العريض على الحركة الشعرية في كل الوطن العربي، وحمّلتها مسؤوليتها في بعث الشعر من مرقده، وأنا لا أقصد هنا العودة إلى الشعر الكلاسيكي أبدا وإنما اختيار المضامين المعاصرة التي تمسّ واقعنا وترتبط بوجدان شعبنا وإنسانيتنا، بغنى الإحساس التجربة، بلغة ثرّة، وبرنين يُطرب المتلقي الذي ينظر للشاعر كمحارب يحارب بقلمه كما يحارب الجندي في ساحة القتال، إلى أن يحقق أهداف مجتمعه في الحرية والعدالة والمستقبل المُطمئن… أي اجتماع الخيال والوجدان، وهذا ليس بالأمر السهل في زمن أصبح للذهن دور كبير في صياغة القصيدة… في حين أن منبعها الحق هو العفوية والقلب.

 

ماذا يعني لك لقب شاعر؟

 

الشاعر هو الطفل المتوج بديمومة قصيدته، الطفل المغامر، المتمرد، المحب، الرحالة، وإن لم يغادر مكانه، فالرؤى التي ينسجها خياله في اليقظة أعظم وأروع من الأحلام الحقيقية، حيث يطيب له فيها منادمة الأسرار الخفية وتذوق الجمال الخالد، يفك أغلال التقليد ويتحرر، فيصبح قادراً على رؤية ما وراء الأشياء. لقب شاعر تاجٌ نفيس يُهدى لمن أستطاع بكلماته وخياله حصاد القلوب..

 

ديوانك (مرايا الروح) ماذا أضاف لتجربتك الشعرية؟

 

ديواني كان مفتاح العبور لعتبة الشعر والشعراء، وفاتحة الولوج لعالم الفنون البصرية والسمعية، سينما، مسرح، فن تشكيلي، تراث، فكم هي ضرورية للكاتب وما أجمل ذاك الحوار الداخلي الذي يدور بين عدسة العين وأذن الروح ، وصوت اللحن ورقص القلب، هذا منحني رؤية أعمق وهوية مختلفة لقراءتي وكتابتي الشعرية، فحين تجتمع الفنون على مأدبة شاعر كأنما جالس الكون كله. (مرايا الروح) هو جواز سفر خديجة الحسن لأرض مترامية الأطراف وسماء متعددة الطبقات.

 

في حمص عدد لا بأس به من الشاعرات وأنت واحدة منهن ماذا تجدين في هذا المشهد الشعري؟ وأين تضعين تجربتك؟

 

لا أبصر فيه إلا حديقة غنية بالأزهار، لكل زهرة خصوصيتها وأسلوبها في نشر عبيرها، وهذا إن دلّ فإنما يدل على أن المرأة هي عنصر الحركة الهام في الحياة الأدبية والذي ينطوي على صفات جمالية وعاطفية وبلاغية خرجت للنور لتوحي للكل بإحساسها الشامل (اجتماعي، سياسي، اقتصادي) بأسلوبها الشعري من رقة وعذوبة وغنائية ووضوح وغموض. ومن وجهة نظري أقول إن كل نفس حبلى بالصور، والحنين إلى معانقة الفرح، الوجود، وما لا يستطيع الإنسان الوصول إليه بالواقع والعقل، يطير إليه بخياله فيبدع الصور، ولكن استحضار الصور يختلف باختلاف الموهبة والثقافة هذا المشهد يمنحك الفرح، فهناك من تتحدى الواقع، وأخرى تتمرد وتتجرأ، بطاقاتٍ خيالية متفاوتة وهذا بعض ما يعلي منزلة النفس الإنسانية. تسألني أين تضعين تجربتك؟ أقول يا صديقي لن أضعها في خابية النحل لأعتقها، هذه الحياة تشهد تطورات عديدة ثقافية واجتماعية والأدب الحق هو تعبير عنها وعن تناقضاتها، من خير وشر. لذلك يا صديقي أطلق تجربتي كفراشة فوق تلك الحديقة الحمصية لأتمتع بجمال الورد واستشف منه إبداعا وخيالا متجدداً.

 

حضرت لك أمسيات في دمشق وحمص، تتميزين بإلقائك الجميل، إلى أي حد يساهم هذا في الوصول إلى حميمية أكثر من المتلقي؟

 

لا شك أن للإلقاء دورا مهماً في التعبير عما كتبنا من أحاسيس ومشاعر. الإلقاء هو استحضار المعنى بطاقة صوتية، قادرة على استثارة المشاعر الكامنة في ذات المتلقي. وأقول لا قيمة للصوت وطريقة الإلقاء مهما كانت فاتنة، إن لم تكن القصيدة حاضرة بكمالها من موضوع وعذوبة وألفاظ وصور.

 

لماذا كل هذا التهافت من قبل معظم الشاعرات والشعراء على قصيدة النثر؟

 

نتيجة للظرف المأساوي الذي مرت وتمر فيه البلاد من الطبيعي أن تحتجّ غريزة الفرح ضد الضيم الذي أنزله بها القدر، فكان هذا الاحتجاج بصيغة قصائد نثر في الغالب. ومن وجهة نظري إن الأوزان الخليلية ليست معطى خالداً فوق الزمان والمكان، فكما يتطرق التغير لكل مفاصل الحياة، لابد أن يطال التغير الأدب والفن، وأعد هذا مؤشرا حقيقيا على حدوث التغير. القصيدة النثرية رائعة في مضمونها، بإيقاع داخلي لا بقوانين خارجية ، فإن حققت القصيدة ذلك أخذت قيمتها.

 

ربما يستسهل البعض قصيدة النثر وهذا أكبر الخطأ، لأن قصيدة النثر التي تحررت من قيود العروض من الموسيقى الخارجية التي تفرضها القافية، عليها التعويض بالصور والخيالات والنغم الداخلي الذي يطرب المتلقي ويخاطب روحه.

 

 

ما رأيك برأي النقّاد القائل بالأدب (النسائي) والأدب (الرجالي)؟

 

الأدب أدب لا يفصله جنس الكاتب، ولست مع هذه المقولة فالفكر فكر والثقافة ثقافة والشعر شعر، قضايانا واحدة وإن طغت عاطفة المرأة قليلا، لكنهما يرفعان شعارا واحدا هو ضمير الإنسانية.

 

هل تحدثت عن الحرب في بعض قصائدك بالأزمة؟

 

لم أغمض عيني عن العدوان البربري الذي اجتاح سورية، بل لامست الواقع بشفافية، في بداية الأزمة كتبت:

 خذيني يا شام خذيني، أعطيك عمري كلّ العمر، اغمسي ريشك الطهور في قلبي وسطري نصراً سطري أبداً دعي جناحيكِ في السماء وخذيني إليك صرخةً خذيني معتقلة عبدة قيديني طوّقيني جوّعيني لا أريد الحرية….. من قصيدة / إلى وطني/.

 

هذا المقطع.. أيها الوطن الحبيب كيف نجوت من الهلاك؟!  أراك في كل مكان، في غزة المحروقة، في العراق الذبيح، بأرضي المفجوعة بالماشين بلا طريق بالساكنين بلا منازل والعاشقين بلا أحبة في كل ثانية أراك أراك، في العلم المضرج بالشهادة والحياة. يا وطني انتعل حذاءك فالأرض شوك، والزمن نار، وأشقاء العروبة، تركوك وحدك في الرهان. كم أغدقت النور عليهم ؟ واليوم أنت بلا أنوار. لا عليك يا وطني لا عليك، ستنهض نهوض النار ألقاً بعد احتضار. كتبت عن تضحيات الفقراء في ظل الأزمة وإخلاصهم للوطن رغم آلامهم وقسوة أيامهم .

 

 

 

البعث ميديا || حاورها أحمد عساف