مساحة حرة

مصــادر قــوّة الدولــة الوطنيـــة

يعدّ ما تواجهه الدولة الوطنية السورية اليوم اختباراً تاريخياً وواقعياً لقدرة صمود الدولة الوطنية المعاصرة في وجه التحدّيات المتنوّعة والعديدة. ويضاف إلى البعد الوطني في هذه المواجهة النزوع العروبي لهذه الدولة بما تملكه من مصادر قوة، ما يجعلها أمام محكّ اختبار حقيقي تُراهن عليه شعوب المنطقة ومراكز القرار والأبحاث في العالم أيضاً.

وعلى العموم فمصادر القوة «Power Resources» هذه مبنيّة تقليدياً على عوامل: بشرية، واقتصادية وعسكرية وسياسية وثقافية «عقائدية». وهي مبنية اليوم أيضاً – في عالمنا الذي تواجه فيه هذه الدولة مفرزات الهيمنة والعولمة – على التمسك بالسيادة، وبالمواطنة، وبالحدود وبوحدة الأرض والشعب.

وللدولة الوطنية في سورية، التي تتعرض اليوم لإشكاليات مفروضة من خارج حدودها وفريدة من نوعها، مصادر قوة إضافية تجذب بالتدريج إعجاب العالم بصمودها الأنموذجي والأسطوري، وتتلخّص هذه المصادر بقوة: الشعب – الجيش – القائد. تلك القوة التي أضفت معاني كبرى على مؤسسات هذه الدولة الصامدة والآخذة قدرتها في التمدد من البعد الوطني إلى البعد العروبي، فالإقليمي، فالدولي، وخير تجلٍّ لذلك ما ورد في حديث القائد الأسد في الملتقى العربي لمواجهة الحلف الأمريكي الصهيوني الرجعي العربي في 14/11/2017.

نعم، من مصادر قوة هذه الدولة قدرتها على مواجهة هذا الحلف، بل على هزيمته الناجزة اليوم، ما يدفعنا إلى دحض ادعاءات مصادر القلق على مصير هذه الدولة، وتأكيد مشاعر الاعتزاز بالقوة وبالحضور وبالفاعلية يوماً بعد يوم، حيث كل يوم أفضل من الذي قبله.

هذا يعود إلى مشروعية هذه الدولة شعبياً ودستورياً، وإلى مشروعها الراسخ وطنياً وعروبياً أيضاً. وهذا ما استعصى إدراكه على هذا الحلف البغيض بأبعاده الثلاثة المترنّحة. وأسطع صورة لهذا الترنّح تتمثل اليوم في اتجاهين.

الأول: الذيل الذليل لهذا الحلف وهو معارضة الرياض التي لم تعد تكتفي بالترنّح في جنيف أمس. بل بالأنين والخذلان تحت وطأة مصادر هذه القوة، فهي معارضة عصيّة على التصنيف في تاريخ المعارضات السياسية لأنها تحوّلت، برِهانها عبر سيرورتها على الارتزاق والمأجورية وعلى المنجز الإرهابي، وعلى المال السياسي «البترودولار»، إلى أنموذج  لشذاذ الآفاق، ولا سيما حين ضعفت قدرتها على وعي قيمة التطورات السياسية والاجتماعية والعسكرية والإقليمية الدولية إزاء مشروعها المفلس وطنياً وعروبياً ودولياً.

الثاني: الاستراتيجية الأمريكية في سورية والمنطقة والتي تعاني اليوم من عُصاب قرارها الخائب في المجتمع وفي القانون الدولي، وفي الموقف الأوروبي تحديداً «وليس في النظام الرسمي العربي البائس» حول القدس ثانياً، وأما أولاً فهو من هزيمة استراتيجيتها في المنطقة على الأرض وفي الوجدان فكانت تصريحات الخارجية الأمريكية بالأمس بمثابة عودة إلى دائرة النار والخراب لا في سورية فحسب بل في مختلف بقاع الأرض.

وهذا ما يعبّر عن مأزق هذه الإدارة الذي هو انعكاس لمأزق ذيولها، مأزق آيل إلى الهزيمة بصمود الدولة الوطنية صموداً جعل خصومها أمام حمل أكبر من الجمل والجمّال.

نحن هنا على هذه الأرض، وفي الوجدان، سابقاً واليوم وغداً، وسنرى أن هذا التفاؤل ليس أبداً من فراغ.

د. عبد اللطيف عمران