مساحة حرة

بين المطالب الوطنية.. والمطالب الفردية

يتّجه المسار السياسي لحلّ الأزمة الناجمة عن العدوان على سورية، ليكون من أطول المسارات لحلّ الأزمات المشابهة وأكثرها عناءً ومشقة، بسبب كثرة الأطراف وتنوّعها التي لاتزال تحاول الانقضاض على ثوابت الدولة الوطنية الراسخة، وخاصة بعد أن تيقّنت هذه الأطراف الكثيرة من استحالة نجاح هذه المحاولة، فـ «فلتت الصيدة» على حدّ تعبير الخائب والمأفون وزير خارجية قطر السابق.

نعم يبدو أن هذا المسار سيطول بسبب الصدام بين المطالب الوطنية الواضحة والمشروعة لوفد الجمهورية العربية السورية، والمطالب اللانوعية والفردية والمأجورة للأطراف الأخرى التي صارت عصيّة على التصنيف: إخونجي على إرهابي على سعودي على قطري على أمريكي.. وصولاً إلى الصهيوني… فأنت لاتعرف من ستحاور لأنه هو لا يعرف ماذا يريد مشغّلوه بدقّة، وبسبب من اضطراب مشغّليه وتعدّد التبعية في وفد الأطراف الأخرى يستحيل وجود قضية وطنية واضحة محدّدة لديه… هذا بالتالي سيفضي إلى مطالب فردية.

… الأيام قادمة، وسنرى وسنسمع كيف ستدخل أغلب مكونات الأطراف الأخرى في متاهات المطالب الفردية، والخلاص الفردي، فأين اليوم غليون والسيدا.. إلخ والبقية الباقية التي ستضطرب في البلدان… والأيام القادمة هي التي سيرتفع فيها صوت كل فرد من هذه الزمرة قائلاً: «أنا وين بدي روح ياجماعة؟!».

لقد وقعت الأطراف الأخرى المقابلة لوفد الجمهورية العربية السورية في جنيف وغيرها تحت وطأة الاضطراب والضياع أمام ثلاثيّة: التسليح – التمويل – الإقامة.

هكذا معارضة تفقد احترامها بالتدريج حتى أمام مشغّليها، ولن يعود أمامها من سبيل إلّا سبيل من يخسر المعركة فيتّجه بالضرورة إلى الانسحاب الفردي طلباً للأمان والنجاة، وأي أمان وأيّة نجاة بعد الارتزاق والمأجورية والخيانة؟!

فلا أحد يحترم الخائن في التاريخ من طرفي النزاع، هو يخسر هنا وهناك ولا مخرج أمامه بعد أن تجرّد أو جُرّد من وطنيته إلا المطالب الفردية.

وهكذا معارضة – وأنموذجها الأوضح هو معارضة الرياض في جنيف 8- هي التي ستعود بالنتيجة إلى نشأتها الأولى اللاوطنية، إلى قواعدها الأساسية الأطلسية والرجعية العربية، وإلى رهانها الأهم على استثمار منجزات المتطرف والتكفيري والإرهابي.

ومن الطبيعي أن يكون مآل هكذا معارضة على هذه الصورة من الفشل والبؤس والخذلان حين تعود في نهاية المطاف إلى نشأتها الأولى تلك، حيث المأجورية والتأسيس على خدمة أعداء المشروع الوطني العروبي من مشيخات الرجعية العربية والغرب الأطلسي.

ستعود الدولة الوطنية بجماهيرها وأحزابها ومؤسساتها الوطنية الديمقراطية إلى قواعدها الأساسية، وإلى منطلقاتها الشرعية والمشروعة. وبالمقابل ستعود هكذا معارضة إلى قواعدها الأساسية أيضاً لكن غير الوطنية أبداً، فأية وطنية وهي تئن وترزح وتضطرب تحت ثلاثية التسليح والتمويل والإقامة عند أعداء الوطن والعروبة، خدم المشروع الصهيوني، أعداء المشروع الوطني والقومي العربي؟.

والحقيقة فقد فشل اجتهاد المشغّلين متعدّدي الأطراف في دعم الإرهابيين والتكفيريين ودعم هكذا معارضة، وبالتالي ستفشل الأدوات والأهداف بالنتيجة.

وها هم هؤلاء الأعداء يعترفون بخسارتهم مقابل صمود الشعب والجيش والقائد، وأمام متابعة مؤسسات الدولة الوطنية مهامها التاريخية في بناء وإعمار البنى الفوقية والتحتية بشكل مستمر ومتسارع.

ويخطئ من يروّج أننا نراهن على إطالة أمد المحادثات في المسار السياسي، أو أن لنا مصلحة في هذه الإطالة، فهذه الصورة مغلوطة، لأن الدولة اتجهت منذ الأيام الأولى في الأزمة إلى تفضيل المسار السياسي في الحل على المسار العسكري، هذا موثّق وواضح، وأسبابه عديدة ومعروفة، في الوقت الذي كانت فيه- واستمرت- الأطراف الأخرى تتعمّد هذه الإطالة أملاً بمزيد من الارتزاق والفنادق والمطارات والأحلام الشيطانية مستحيلة التحقق.

فلا وقت زائداً عندنا لنصرفه على اضطرابات المسار السياسي وعثراته المقصودة وغير المقبولة، فأمامنا مهام كبرى تبدأ من إعادة بناء الدولة والمجتمع ومايتصل بذلك من ترميم الصدوع العديدة والمتنوعة، ونحن نعرف أن طول أمد المحادثات يلهي الحكومة عن دورها المنشود، ويربك المجتمع والمؤسسات بالتشويش والتساؤل والقلق جرّاء الربط التعسفي وغير الوارد بين المهام الوطنية الداخلية ونتيجة المحادثات.

لذلك فإن الشعب والدولة سويّةً مع وضع سقف زمني للمحادثات يبدأ بعد القضاء على آخر إرهابي ومتطرف وتكفيري على أرض الوطن «السلّة الأولى». لأن الإنجاز التام لهذه السلة هو ضمان نجاح المحادثات في السلال الأخرى، فليس الإرهاب محصوراً بداعش وحده. ذلك أن الوجود الأمريكي في سورية هو أيضاً إرهاب بكل معنى الكلمة.

 

د. عبد اللطيف عمران