ثقافة وفن

سفر الكينونة…

تسأل لما الوحدة و العُزلة تملئُ الوجود..؟!

يا صديقي أنتَ لستَ وحيداً.. ولم تكُن يوما لوحدك..

هنالك رفقاء الدربِ.. شُخوصكَ المتعددة ..التي تكونت منذ الولادة الأولى .. وما تلاها من ولادات لتلك الولادة..

ثم تتساءلَ لما الوجود وغايته..؟!

كان عليك أن تدرك مجالك.. مجالك من شخصياتهم العديدة.. التي تأخذ شكل الآلهة في صراعك الأبدي..  تُصارع تارةً لتمتلك العرش..  تُقاتل بعضها بأسلحةٍ خفيةٍ.. لا علم لك بمدى قوى مناجلها ومعاولها.. وتحصين دروعها.. ولا علم لك بمن قَتل ومن قُتل..

وتارةً تُعلن السِلم.. وتمد يدك لهدنة المصالحة.. وتحيك لك ثوبا خفيا تعجز ان تدرك ماهيته وبرحابةَ صدر تلتحف ما أحيك لك… آملة أن توقف حروباً ضاربة الشراسة.. طاحنةً أختلاجاتك.. طافيةً على أمواج ركنك الأزرق .

تهرول فوق وديان هضابك الشاهقة.. ومع ذلك تعلم بأنها أنت في كل حالتها.. عندما كنت رهيناً لها.. حين صدقت وصادقت دورك كأبن .. حين – كنت ولربما مازلت – تعيش بين أسرتك .. ترعرعت في ظل نشأتها.. أذرع حبها و بنان حنانها.. ما كان إلا زيفاً ووهماً.. ومن هنا تبدأ رحلة تعرف على شخصيتك البكر..  فهل أدركتها ..؟!

ثم تكبر في انتقال جديد.. انتقالك لربوع المدرسة لتنهل منها العلم.. تجارب الصداقة.. امتثالك لعقيدة ما.. ووجبات الإيمان بها.. ثم يدعوك المجتمع وتوابعه لرؤية تناقضاته الصاخبة.. يطلب منك الجثو أمام مبادئه المجنونة.. والامتثال مجدداً وتكراراً لتقلباته المتذبذبة.. فيسببون لك التوهان الحقيقي.. والانهيار المعنوي.. لتقرر بدأ رحلة البحث عن الوجود الناضج في تمام عنفوان شبابك..؟!

تخوض مضمار الحياة بتجارب لا نهائية الإحصاء.. تجارب مادية معنوية إجتماعية عاطفية وغيرها.. تغرق في كينونتك لتكسب المعرفة.. لتزداد صلابة بعد كل انكسار.. لتكون أنت كما ينبغي أن تكون فتنصقل متحداً مع ذاتك . في ذاك الحين أضعت شخصيتك البكر وقد غرق شراع سفينتك.. امتلكت القوة لكن فقدت البصيرة.. فتخلق شخصية غريبة جديدة تضمها لعائلتك.. لتجذف معتصراً كل ما مررت به لتصل لشاطئ الأمان.. تسير على رمل الحياة مع كل شخصياتك.. تقبل البعض بحكم الاعتياد.. ترفض بعضها بحكم الاختيار.. تردع بعضها بحكم الوجوب والنكران.. ولكن لا تلبث سوى أن تحتضنها حين كانت أملك الأوحد.. مرشدك الأعلى.. وسراج دربك.. التي قادت صراعاتك الثابتة فحولتها لحروبٍ ضارية لتقلبها لساحات تدريبٍ.. ثم تنفيها لتكون طاولةٍ في مكتبة.. رغم ذلك تستمر التغيرات والتجارب.. فتلعب معها لعبة الوجود ولا وجود.. بمعايير جديدة وأفكار ناضجة ونسف لكثير من الثوابت التي كنت واهماً بعدم التخلي عنها.. كل هذه المراحل تجتازها بدروب وعرة وتضاريس قاسية.. لتخرج منها بقناعة واحدة.. وهي عدم فهمك للحياة.. السعادة.. الحب.. والعطاء.. وتجلس متكئاً على العمر عند ناصية الذكرى.. وتقول:

كنت مجموعة إنسان.. وقد أتقنت لعب كافة الأدوار التي فرضتها الحياة على خشبة مسرحها الكبير…

إلا دورا واحدا ربما قد نسيت سهوا منحه لي وهو…. ذاتي….

ميرنا غالي

One thought on “سفر الكينونة…

  • وتارة ذهبت الى المقعد الأخير وأردت أن ألعب دور المتفرج في مسرحية الحياة التي كنت بطلها في وقت ما
    الغالية ميرنا

Comments are closed.