ثقافة وفن

حارتنا ضيقة.. يا غيفارا

وضع صورة لـ “غيفارا” في غرفته، ثم أطلق شعره ولحيته وقام بشراء “بيريه” من “بائع القبعات الموجود قبالة مدخل مسرح الحمراء -لأجل واقعية القصة- نظر إلى نفسه في صورته المنعكسة على المرآة، وتفقد بحرص”لوكه” الثوري قبل أن يخرج من البيت، كان معجبا جدا بالشبه القوي الذي يجمعه بـ “غيفارا”، في الحقيقة كان مزهوا بهذا الشبه بينه وبين معشوق الصبايا “تشي”.

قالت له جارته الدلوعة مرة بعد أن سألها أن كانت تعرف “غيفارا” في محاولة “حربوقة” منه للفت انتباهها، إلى الشبه بينهما، قالت: “بعرف عمرو دياب وأبو شهاب” وهكذا خذلت شخصيته الثورية، وأحلامه “بتدويخها” لتقع في غرامه،أحلام مراهقة كان قد اقتات عليها طويلا في ليال الوحدة والأرق.

ما كان ينغص عليه فعلا، هو فقط ذاك الخال “الشامة” الذي لا يمتلكه،وهذا الفرق البسيط في الشبه بينه وبين الصورة التي علقها على حائط غرفته لـ “تشي”، هو من يؤرق خياله وفكره، فكل من يعرفه يعرف أن لا خال لديه في ذقنه، كما هي الحال عند الثائر الكوبي الشهير، وهذا أمر عويص تتدبره،حتى مع حيلة “المكياج” التي أخبره عنها جاره “الكوافير” عدا ذلك كان راضيا تماماً عن طلته الثورية وعن الشبه الكبير بينه وبين الرجل الذي سمع به للمرة الأولى في الجامعة.

كان يجلس في المقهى مغاضبا بعد أن أزال صاحب المكان صور كل من ماركس وغيفارا ولومبابا” وغيرهم من المناضلين و المفكرين واستبدلها بصور لـ شاكيرا وبيونسيه وميريام كلينك! ثم وبمباغتة غير محزور عليها، يضرب بقبضته على الطاولة وهو يقول لمن معه:أييييه لم تعد المقاهي مقاه، أين ذهبت تلك المقاهي الثورية؟ أين؟ من أخذ أحلامنا منا؟ أين الرفاق أين؟ قبل أن يتوجه للفتى النادل ويطلب إليه أن يضع “الشيخ إمام” “شرفت يا نيكسون بابا” ويغير فحم الأركيلة، ينظر إليه النادل والشبيبة بتعجب ثم يعودون لتوزيع أوراق الشدة “حط ختيار الكوبا ولا”.

“هيثم” الذي كان يا ماكان في ماض ليس بالبعيد جدا بـ”البيريه” التي كان يضعها حتى وهو نائم،ولحيته سيئة الحلاقة دائما، ومن بين شفتيه تتدلى عوضا عن السيجار الكوبي، سيجارة الطول الفاخر “الحمراء الطويلة” -حينها كان التبغ يدل أيضا على الهوية الثقافية والانتماء الفكري لمدخنه، حتى أنها أصبحت حالة تقييم عامة في المقاهي، فمن يدخن “مالبورو” هو برجوازي، ومن يدخن “لوكي” برجوازي صغير، أما مدخن الحمراء بأنواعها – طويلة- قصيرة- بيضاء- محدثة- مع فلتر- بدون فلتر- مع تبغ- بدون تبغ- وغيرها من أنواع التبغ المحلية، فكان شخص ثوري حتى لو لم ينتبه هو لذلك، “هيثم” هذا تاب الله عليه من جنونه الثوري الذي صدّع به رأسنا، رأيته على واحدة من الشاشات التي تعتبره صاحب رأي ، يسبح بحمد خالق السماوات والأرض، وحده وفقط وحده من جعل من “الثورة السورية” مباركة، بعد أن لعن طويلا “ماركس” الكافر وغيفارا بالتحديد بحكم انه لا يعرف من كل ما جرى في أمريكا اللاتينية إلا أن “غيفارا” مات على غير الدين الذي يدعو إليه الآن بحد السيف! لكن شيئا مختلفا تغير فيه، فمن يدقق النظر فيه سيجد في أسفل ذقنه، خال يتموضع في المكان ذاته الذي لطالما رغب فيه أيام كان يشبه غيفارا في الشكل فقط، خال ولكن لونه أحمر قانئ كالدم الذي يخرج من حديثه ذاته ولكن بغير تموضوعات ثورية فعلا!

تمّام علي بركات