عدوان.. أم معركة مستمرة؟!
نعم، المعركة طويلة، ويبدو أنها مستمرة، على الرغم من أن عوامل الصمود والمقاومة والانتصار مستمرة أيضاً ومتجددة إثر كل عدوان على الوطنية والعروبية فكراً ومؤسسات.
لم يعرف التاريخ العربي الحديث والمعاصر أشرس من المعركة التي يخوضها ويواجهها المشروع الوطني والقومي العربي اليوم، وإنه لسؤال مشروع برسم الأجيال الطالعة إلى المستقبل، سؤال المصير: كيف ستكون حالنا في قادم الأيام؟!
يرزح العروبي من المحيط إلى الخليج تحت وطأة واقع لا شك يرخي بظلاله الثقيلة والكئيبة على تطلعات الشباب، ويتألم الشيوخ المناضلون وهم ينظرون إلى مظاهر الحياة العامة في أقطارهم وفي أمتهم هذه الأيام.
في مطلع العقد الثاني من هذا القرن ابتُلي المشروع العروبي بانتكاسة غير متوقعة وغير معهودة، عدوان شامل ووحشي في سياق معركة مستمرة ضد العروبة، لكنها معركة من أخبث المعارك وأخطرها، ومن مظاهر الخطر فيها أنها دُعيت في الأدبيات المعاصرة بـ «الربيع العربي» وهي معركة عصيّة على التصنيف والتوصيف بسبب تشابك مكوناتها، وتعدد الأطراف الداخلة فيها، والأهداف المأمولة منها، بما في ذلك من خداع وتضليل وتكفير وتطرف.
في هذه المعركة وفي هذا العدوان ظنّت شرائح في المجتمعات والشعوب في الأقطار العربية أن «الأنظمة» هي سبب الأزمة، وتأكد أن الظن ليس دقيقاً، ولو كان دقيقاً لطال الملوك والمشيخات وأنظمة الرجعية العربية.
وفي هذه المعركة يبدو أن التضحيات الكبرى بالأرواح والممتلكات والمؤسسات كانت مجانية، وأكثر من ذلك أنها أسفرت عن العودة إلى الوراء بمشاريع الإصلاح الوطني الديمقراطي وبالعيش المشترك وبالتنمية، بسبب بروز دور المرتزقة والعملاء والخونة، دور المأجور والمتطرف والتكفيري المرتبط بالبترودولار المتصهين.
إلى أين ستنتهي هذه المعركة إذن؟!
في الجواب لا يمكن نكران وجود، بل طفو، الفكر الظلامي اللا عقلاني المرتبط بالأساطير والخرافات والتعصّب العرقي والطائفي والمذهبي على المستويات الشعبية والرسمية أيضاً، وهذا أمر غريب تجتهد بعض مراكز الأبحاث الغربية أو الممولة بالبترودولار على اعتباره موجوداً سلفاً في نسق التراث العربي الإسلامي، ولا شك هذا تفسير خاطىء فالعنف الموجود في هذا التراث هو «عنف سياسي» قبل أن يكون عنفاً عرقياً أو مذهبياً.
فمعركتنا اليوم تعود في بعض جبهاتها، وأصولها الفكرية إلى الأبحاث والمؤلفات المرتبطة بالاستراتيجية الاستعمارية للمركزية الغربية «الاستشراق» بما فيها من عنصرية وعداء للعروبة والإسلام.
صحيح أن العدوان على فكرة العروبة يأتي في نسق معركة مستمرة منذ عقود عديدة، وأن التحديات التي تواجهها هذه الفكرة ليست نابعة فقط من المركزية الغربية بصيغتها الراهنة كتحالف صهيوأطلسي – رجعي عربي، بل أيضاً من أطياف وتيارات في المجتمعات الإسلامية، والمجتمعات العربية نفسها التي نظرت إلى مفهوم الأمة نظرات متباينة، لكن الواقع اليوم أشد تعقيداً مع غياب فكرة التقدم، وتراجع حضور الفكر العروبي المستنير، وقد ساعد على هذا دعم ذلك التحالف «للجهاد» العابر والجوّال لينتهي المشهد بالدمار في البنى الفوقية والتحتية، بالمرتزقة والتطرف والعصبيات والانتماءات الضيّقة على حساب الهوية الوطنية والعروبية.
مع هذه الحال لا بد من قراءة متأنية للتاريخ السياسي المعاصر الذي “يجب” أن نراجع بعض محطاته مراجعة نقدية، فنرى مثلاً في «اتفاق الطائف» 1989 وما جرى بعده في اتفاق «الدوحة» 2008 خطراً كبيراً، بل مؤامرة مضمرة على المستقبل الوطني والعروبي، لتمتد «الخليجية السياسية» إلى العراق وشواطىء المتوسط، وتطمع لتعمّ الوطن العربي «طائفية» الطائف السياسية، يمليها بشكل ظاهر وخفي تحالف الرجعية العربية والمركزية الغربية المتجددة بصيغتها ما بعد الكولونيالية.. وهكذا دواليك، مما لا تغيب معه «نظرية المؤامرة».
فمع كل تقدّم في مواجهة المعركة المستمرة يتجدد العدوان المموّل خليجياً على العروبة كالعدوان الثلاثي على سورية في نيسان 2018، والعدوان الثلاثي نفسه المتوقع تنفيذه لمنع سورية من الإجهاز على أعداء الوطن والعروبة والإسلام والإنسانية.
لا ينطلق هذا التشخيص من يأس أبداً، ولا من فشل الرهان على العروبة ولا على المقاومة أو الحلفاء والأصدقاء وأحرار العالم وشرفائه، بل من أن اكتشاف الداء أساس لنجاعة الدواء.
إننا متفائلون بشعبنا وجيشنا وقائدنا الذي تحدّث قبل سنة في 20/8/2017 عن مؤشرات الانتصارات العديدة، وركّز على «إن التحدّث عن إفشال المشروع الغربي لا يعني أننا انتصرنا، فالمعركة مستمرة، وبوادر الانتصار موجودة». وبالفعل والمنطق موجودة وقريبة التحقق.
د. عبد اللطيف عمران