ماذا بعد إدلب؟؟
لم يكن مستغرباً الاستنفار الجنوني لمحور مساندة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بعد إصدار القرار السوري الحاسم بتحرير محافظة إدلب وجوارها من رجس التنظيمات الإرهابية مهما كانت الكلفة و التضحيات، وأن كل التهديدات والاعتداءات المباشرة وغير المباشرة والعربدة الصهيونية القذرة لن تغير من الخطة الإستراتيجية التي وضعتها القيادة العسكرية السورية لتحرير كامل التراب الوطني السوري قيد أنملة، وكان قد سبق تحرير حلب جعجعة وصراخ، وقبل تحرير الغوطة الشرقية كذلك وغيرها من المناطق التي تحررت، دون أن تغيِّر تلك التهديدات مسيرة العمل الجاد في إنجاز المهمة دون تأخير وفق الأجندة الزمنية المحددة لها، وها هي اليوم معركة إدلب في أعلى مستوى من التحضير التكتيكي واللوجستي، بانتظار استلام أمر ساعة الصفر التي ستأتي في موعدها المحدد دون النظر إلى أي أمر خارجي آخر.
تُحاول الإدارة الأمريكية وحكومة الكيان الصهيوني خلط الأوراق في المنطقة من جديد، بهدف إطالة أمد الحرب في سورية واستنزاف القوى الذاتية السورية العسكرية والاقتصادية التي بدأت تتعافى سريعاً، وذلك من خلال مساندة التنظيمات الإرهابية ورفع معنوياتها المنهارة، بتنفيذ ضربات عدوانية هنا أو فبركة مسرحية سخيفة ومفضوحة هناك لتغطية العدوان على سورية، وهذا لن يُغير سير المعركة بعد أن توضح المشهد العام في سورية والمنطقة، وأصبحت الصورة جلية بحتمية انتصار المحور الذي يُكافح الإرهاب بشكل فعلي على الأراضي السورية، وبالتالي حق هذا المحور في صياغة التسوية السياسية الشاملة بعيداً عن حسابات مصالح الآخرين وانتزاع الأدوار التي يراوغ الغرب بكل الوسائل لفرضها، وهذا لن يحصل تحت أي ظرف أو تسمية مهما جن جنون ” ترامب ” المأزوم داخلياً، أو ارتفعت نبرة زوج الست القبيحة مسيو ” ماكرون ” الذي يعاني من ارتدادات شعبية على سياسياته الغبية التي لا تخدم الشعب الفرنسي، بصراحة نستطيع القول بأن المحور الداعم للإرهاب عليه أن يعترف بالهزيمة لأن ما عجزوا عن تحقيقه في الحرب عبر وكلائهم في التنظيمات الإرهابية، لن يتمكنوا من الحصول عليه في السياسة.
من المعلوم بأن الفترة المحددة للتهدئة وتخفيف التصعيد في إدلب تنتهي بتاريخ اليوم التاسع من أيلول الجاري، وبعد أن حضر ملف إدلب بقوة وبكامل حيثياته على طاولة لقاء القمة في طهران الذي جمع رؤساء الدول الضامنة لمنصة أستانة، وبالرغم من محاولات رئيس النظام التركي ” أردوغان ” اللعب على وتر التناقضات وفرض بعض الأوراق التي تؤهله للتصرف كوالي أو وصي على سورية، أكدت القمة في بيانها الختامي على وحدة وسيادة سورية، وعلى حق سورية في تحرير كافة الأراضي السورية من براثن الإرهاب وبسط سيطرتها على الجغرافية السورية، وضرورة خروج جميع القوات غير الشرعية من الأراضي السورية.
في واقع الأمر الحكومة السورية لا تقيم أي وزن للتهديدات الغربية، ولا تكترث بالأجندات المعلبة التي ترد من واشنطن أو أنقرة أو غيرهما، بالرغم من أخذ كل تلك النقاط على محمل الجد وتضع لها الحسابات الدقيقة للمواجهة وفق المقتضى الميداني، لكن الأهم في ذلك هو العمل المستمر على تنفيذ الخطط الوطنية الخاصة التي تنسجم مع متطلبات المعركة وفق أجندة وطنية خالصة بالتعاون والتنسيق مع الحلفاء والشركاء، والتي تضع مصالح ومستقبل الشعب السوري بكل أطيافه أساساً للتفاعل الايجابي مع أية مبادرة وقبول محتواها، السؤال الذي يفرض نفسه، بعد أن وضع الإطار العام لمعركة إدلب هو : ماذا بعد إدلب ؟؟
الهدف الأول بعد تحرير إدلب وجوارها من العصابات الإرهابية كآخر بؤرة للإرهاب، هو طرد القوات الأجنبية المحتلة لأراضٍ سورية بشكل غير شرعي وغير قانوني، وفي مقدمتها القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية إن وجدت والقوات التركية، سواءً بالطرق الدبلوماسية والاتفاقات الدولية أو بالقوة العسكرية، لأن الجيش العربي السوري الذي حارب الإرهاب على مدى أكثر من سبع سنوات متواصلة وهزمه رغم كل أنواع الدعم الذي تلقاه الإرهاب من دول بعضها بمصاف الدول العظمى، لن يصعب عليه مواجهة بضعة مئات أو آلاف من قوات أجنبية فرضت نفسها بقوة الفوضى والإرهاب على الأراضي السورية، وسيلاحقهم وسيهزم كل المعتدين على سورية مهما كانت قوتهم كما فعل بالإرهاب، وبنفس الوقت ستتحول سورية الحديثة إلى ورشة عمل متنوعة ومتكاملة لإعادة إعمار البشر والحجر وكل شيء خربه الإرهاب والحرب، وصولاً إلى مجتمع متصالح ينبذ كل أنواع الخلافات في سبيل عودة الأمن والأمان أولاً وردم فجوات الماضي القريب والبعيد، وتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة في ظل دولة القانون التي يرعاها القائد بشار الأسد صاحب الانتصار الأكبر في هذا العصر…
محمد عبد الكريم مصطفى