كاتب ياسين.. “نجمة” جزائرية لا تخفت
تمر هذه الأيام ذكرى ولادة الكاتب العربي الجزائري كاتب ياسين الملقب (بنبي العصيان) واسمه محمد خلوتي: (كاتب ياسين) الإنسان الطيب والشاعر والمسرحي والروائي والصحفي، الذي استبدل اسمه لضرورات أمنية، والذي ناضل طوال حياته ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر، وضد قهر الإنسان.
دخل السجن وحكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص – لكن الحكم لم ينفذ – قال عنه المسرحي السوري سعد الله ونوس: “وجهه يخزن شمس الجزائر، وفي العينين يتوهّج ذكاء يكسوه الحزن أو ما يشبه الزوغان، لقد مرّت سنوات قاسية وهمى غبار رمادي على الملامح المنفتحة، فقسمت وعاب تفتحها في تراب جاف”.
ولد كاتب ياسين عام 1929 في مدينة قسنطينة في الجزائر، من أب محامي وأم تمتلك عبقرية اللغة العربية. بدأ الكتابة في الثامنة من عمره بنظم الشعر، أرسل إلى المدرسة الفرنسية في مدينة (اسطيف) وهناك تعرف على شعراء الفرنسية أمثال ( بودلير، وفرلين، وغيرهم).
في العام 1945 وفي مدينة (اسطيف) اشترك بالمظاهرات مع أمه ونساء الحي، مندّدين بالاستعمار الفرنسي، مطالبين بالجلاء، فقام الفرنسيون بإحراق البيوت وإطلاق النار بشكل عشوائي، هذه الصدمة استحوذت على معاني حياته فيما بعد، حيث طرد من المدرسة ودخل السجن، وحكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص – لكن العفو جاء مصادفة وفي اللحظات الأخيرة.
غادر إلى فرنسا في العام 1946، وأصدر مجموعته الشعرية الأولى بعنوان (حوارات ذاتية) واختار أن يناضل على طريقته الخاصة، وعمل في الصحافة وألقى عدة محاضرات في باريس تناول في معظمها القضية الجزائرية.
بعد وفاة والده عمل في أكثر من عمل يدوي ليعيل أسرته، ثم كتب مسرحية بعنوان (الجثة المطوقة) نشرتها مجلة (إسبري)الفرنسية.
ومنذ العام 1947 بدأ يتواصل رحيله بين الجزائر وفرنسا، وانخرط تماماً في العمل السياسي والكتابة المناهضة للاحتلال، والتقى ببعض المؤيدين لرسالته تلك حتى من بعض الفرنسيين والأوروبيين، منهم على سبيل المثال (المخرج جان ماري سيرو) الذي أخرج له مسرحيته (الجثة المطوقة) في بلجيكا. ثم أصدر مجموعته الشعرية الثانية (قصائد إلى الجزائر المضطهدة) عام 1948.
وإثر تفاقم الأحداث الدموية والمآسي، تنقل من بلد إلى آخر فمن فرنسا إلى إيطاليا وألمانيا وبلجيكا ويوغسلافيا، ونشر الكثير مما سمّي (مسرح الجموع والنوعية) وقد تأثر بالتراجيديا الإغريقية والكاتب شكسبير، إضافة إلى المسرح الصيني فكتب مسرحية (دائرة الانتقام).
في عام 1956 أصدر روايته (نجمة) التي قال عنها النقاد: إنها أي (نجمة) أحدثت تحوّلا في الكتابة الروائية العربية والفرنسية على حدّ سواء، كما رسخت العلاقة الحميمية بين الشعب الجزائري وكاتب ياسين، وفتحت أفقا جديدا ومغايرا للأدب المقاوم والملتزم.
ثم تابع إصدار مجموعاته الشعرية مثل (مائة ألف عذراء)، و(تحت صراخ الديكة) ثم أصدر روايته (السداسي المضلع)، ومسرحية (مسحوق الذكاء) و(الأجداد يزدادون ضراوة) و(الرجل ذو الحذاء المطاطي) كتبها أثناء إقامته في فيتنام.
عام1970 عاد إلى الجزائر وبدأ منعطفا جديدا في حياته الأدبية، إذ هجر الكتابة باللغة الفرنسية، وتحوّل إلى الكتابة باللهجة الجزائرية المحكية، وأصبح مديرا لفرقة مسرحية تدعى (مسرح البحر) قدم لها مسرحيته (محمد خذ حقيبتك) عام 1977.
عن المسرح يقول كاتب ياسين: “المسرح بالنسبة إلي كان وسيبقى هو الحياة، في البداية كانت الحياة سهلة، ثم تعقدت وهي دائمة الحركة من السهل إلى المعقد وبالعكس، المسرح هو الحياة”.
في تشرين الأول عام 1989، وفي ليلة الذكرى الخامسة والثلاثين للثورة الجزائرية، توقف قلب محمد خلوتي – كاتب ياسين – لكن روحه مازالت تحلق عاليا في فضاء الأدب والإنسانية.
البعث ميديا || أحمد عساف