أضرار بيئية كبيرة نتيجة تكرير النفط بطرق بدائية في الحسكة
يشكل قطاعا النفط والغاز في محافظة الحسكة وما يرافقهما من صناعات بتروكيميائية أحد أهم الأعمدة الاقتصادية المحلية التي تميزها، ومنذ اللحظات الأولى للحرب الإرهابية على سورية كان هذان القطاعان هدفا للمجموعات الإرهابية التي تعاقبت على المنطقة حيث قامت بسرقة النفط وتكريره بطريقة بدائية وحصر الاستفادة من مبيعاته بها وبمن يتعامل معها.
وأثرت عمليات استخراج النفط الخام المسروق وتكريره بطرق بدائية بشكل كبير على الواقع البيئي والزراعي والصحي للأهالي الذين يقطنون في أرياف المحافظة ولا سيما الجنوبية والشرقية لترتفع معها معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية والجلدية والتنفسية بشكل ملحوظ، إضافة إلى حدوث وفيات وتشوهات حروق ناتجة عن انفجار صهاريج النفط أو الحراقات البدائية التي يتم تكرير النفط فيها أو مشتقات النفط غير النظامية التي يتم استخدامها في الآليات ومعدات الطبخ المنزلية.
الجيولوجي مجد الله عرابي أوضح أن هناك قوانين وأنظمة وبروتوكولات عالمية ناظمة لعملية استخراج وتكرير النفظ والغاز نتيجة الخطورة التي تكمن فيها وكانت وزارة النفط وعبر مديرياتها في محافظة الحسكة تحرص على تطبيق هذه البروتوكولات والأنظمة للحفاظ على البيئة وصحة العاملين وأهالي المناطق التي يتم فيها استخراج هذه المواد وتكريرها.
ويضيف عرابي كانت عمليات استخراج النفط والغاز تتم على يد مهندسين وفنيين خبراء وبمعدات وتجهيزات متطورة ويتم ضخ النفط الخام عبر أنابيب مغلقة ومدفونة تحت الأرض لإيصالها إلى مصافي التكرير سواء في حمص أو بانياس مع الحرص على فصل الغازات التي ترافق عملية استخراج النفط ومعالجتها وعدم إطلاقها في الهواء كونها ذات تأثير سلبي على الصحة.
ويشير عرابي إلى أنه مع انتشار المجموعات الإرهابية المسلحة وسيطرتها على الحقول النفطية وعدم قدرتها على تشغيل المعدات والآليات الموجودة فيها قامت باستخراج النفط بشكل مباشر وتجميعه في أحواض مكشوفة ما أدى إلى اطلاق الغازات السامة التي أثرت بشكل كبير على البيئة المحيطة والبشر وحتى الحيوانات، كما قامت المجموعات الإرهابية بتصنيع حاويات معدنية مغلقة يتم وضع النفط الخام فيها وتشعل تحتها النيران بهدف تكرير النفط واستخراج مشتقاته إلا أن هذا العملية ينتج عنها إطلاق غازات سامة إضافة إلى أنها قد تنفجر أثناء إشعال النار ما يؤدي إلى حوادث مميتة.
ويضيف عرابي إن المشتقات النفطية الناتجة عن عملية تكرير النفط بطريقة بدائية والتي تباع في الأسواق غير مطابقة للمواصفات وغالبا ما تكون مزيجا لعدد منها ما يؤدي إلى إلحاق أضرار كبيرة بالآليات والمعدات التي تستهلكها، إضافة إلى حدوث انفجارات في المدافئ أو أفران طبخ الطعام التي تستخدمها ما أدى إلى وفاة العديد من المواطنين في محافظة الحسكة خلال السنوات الماضية أو الحاق حروق كبيرة وتشوهات جسيمة بهم .
وتشير التقارير والإحصاءات الطبية عن حالات الحروق الناتجة عن تكرير النفط الخام المكرر والتي وردت إلى الهيئة العامة لمستشفى القامشلي الوطني خلال عامي 2016-2017 إلى إصابة ما يقارب 4000 إصابة بدرجات حروق مختلفة وما يزيد من معاناة المواطنين هو عدم وجود قسم مختص بالحروق في الهيئة إضافة إلى خروج مشفى الحسكة الوطني من الخدمة.
ويبين مدير الهيئة الدكتور عمر العاكوب أن أغلبية حالات الحروق التي وردت إلى المشفى لمصابين من أهالي ريف المحافظة الذين يعملون في تكرير النفط الخام بطرق بدائية وبمعدات تسمى الحراقات التي غالبا ما تنفجر عندما تتفاعل المشتقات النفطية نتيجة تعريضها لدرجات حرارة عالية فتؤدي إلى موت الشخص أو إصابته بحروق وتشوهات جسيمة، إضافة لورود حالات تتعلق بانفجار المدافئ التي تستخدم فيها مادة المازوت غير النظامية والتي توجد فيها نسب عالية من مادة البنزين أو أجهزة الطبخ التي تستخدم مادة الكاز غير النظامية والتي توجد فيها نسب بنزين تؤدي إلى حدوث الانفجار.
وبالنسبة لأثر تكرير النفط المسروق على الزراعة يوضح الخبير الزراعي المهندس رجب سلامة أن آثارا مدمرة لحقت بالأراضي الزراعية المحيطة بآبار النفط وبالمياه الجوفية فعمليات استخراج النفط المسروق تتم عبر إنشاء أحواض مكشوفة تم إحداثها في المساحات الزراعية المحيطة بكل بئر نفطي ما أدى إلى تدمير القشرة السطحية من التربة وتلويثها بمشتقات النفط ولا سيما مادة الجير، يضاف إلى ذلك قيام المجموعات الإرهابية ومن يعمل معها بسكب مادة النفط الممزوج بالماء غير الصالح للاستعمال عبر الفجوج والأودية ما يؤدي إلى تسربها إلى آبار المياه والمسطحات المائية والسدود القريبة من آبار النفط.
ويضيف المهندس سلامة أن الثروة الحيوانية تأثرت بشكل كبير في المناطق التي يتم استخراج النفط فيها بطريقة غير شرعية فتلوث الهواء الناتج عن حرق النفط يؤدي إلى حدوث أمراض تنفسية وجلدية في جميع أصناف الثروة الحيوانية إضافة إلى نفوق أعداد منها نتيجة شربها مياه الآبار الملوثة بالمشتقات النفطية.
مدير البيئة المهندس سامي إسماعيل يؤكد أن الضرر البيئي الذي حصل في مناطق استخراج النفط بطرق غير شرعية كبير جدا وأثره قد يمتد إلى عقود ويؤثر في حياة البشر والحيوان على حد سواء وهو يحتاج إلى جهود كبيرة وتعاون بين مختلف القطاعات والجهات لإيقاف هذه الظاهرة.
من جهته أوضح المحامي إسماعيل الزبيدي أن استخراج النفط وسرقته من قبل المجموعات الإرهابية ومن يتعاون معها هو جريمة تجاه الحق العام كون النفط ملكا للدولة والشعب السوري وهو أموال عامة يعاقب القانون كل من يتعدى عليها كما أنه اعتداء على الحق الخاص للمواطنين نتيجة الأضرار الكبيرة الصحية والبيئية التي تلحقها عمليات الاستخراج والتكرير البدائي بهم وبممتلكاتهم وفقا للعديد من نصوص القانون السوري ومنها على سبيل المثال المادة 138 و164/ن قانون العقوبات والمادة 4 من أصول المحاكمات.
أما أهالي المنطقة الجنوبية والشرقية من المحافظة فيؤكدون أن عمليات استخراج النفط المسروق ألحقت بهم وبأطفالهم وثرواتهم الحيوانية والزراعية أضرارا بالغة داعين إلى إيقاف هذه الممارسات وإغلاق هذه الآبار ريثما تعود المؤسسات والدوائر الحكومية ذات الصلة إلى عملها في المنطقة لتعاود استخراج وتكرير النفط والغاز بطرق آمنة.