شاربتنييه لـ”البعث ميديا”: “ماكرون” مقبل على معركة في الداخل الفرنسي والشعب غير مستعدٍ لهذا الصدام
شهدت فرنسا خلال الفترة الماضية احتجاجات غير مسبوقة على سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون الاقتصادية والاجتماعية، هذه الأحداث جاءت متزامنة مع موجة من الاستقالات في الحكومة الفرنسية، بداية وزير البيئة، وانتهاء باستقالة وزير الداخلية، ماذا يجري بالضبط في فرنسا؟، هل فرنسا أمام تغيير جديد؟، وهل يمكن أن نرى حزب الرئيس الذي أنشئه قبل الانتخابات مفككاً؟
“البعث ميديا” حاورت الباحث والمحلل السياسي الفرنسي “أنطوان شاربتنييه” عن آخر التطورات على الساحة الفرنسية الذي قال:
تعيش فرنسا حالياً أزمة حكم سياسية حقيقية وجدية، حيث بدأت تتظّهر بوادر انهيار حلف المصالح السياسية الذي تشكل قبيل الانتخابات الرئاسية، وبدأت المشاكل تتفاقم في الداخل الفرنسي نتيجة سوء إدارة الطبقة السياسية الحالية لعدة ملفات منها الداخلية، ومنها الخارجية، فتقلصت أكثر فأكثر شعبية الرئيس “ماكرون”، وهذا عائد إلى شخصيته المختلفة تماماً عن نظرة الشعب الفرنسي لمفهوم رجل الدولة.
ومن هنا يمكن القول أن مظاهرات اتحادات العمال والطلاب خلال اليومين الماضيين في سياق رفض قسم من الشعب الفرنسي سياسته أي الرئيس ماكرون، وهذا يأتي أيضاً في سياق محاولة المعارضة الفرنسية الاستفادة من حالة التخبط التي يعيشها الرئيس وحكومته، وفرض أمر واقع دون إمكانيات، فليست كل التظاهرات محقة كما ليست كل إصلاحات “ماكرون” محقة، لكن هذا يعبر عن الشرخ الحاصل بين الحكم في فرنسا والشعب.
وبين “شاربتنييه”، أن حزب الرئيس “ماكرون” مفكك من الأصل وليس له أي وزن أو قوة في الداخل الفرنسي، فمهمة هذا الحزب انتهت منذ وقت طويل، خصوصاً بعد انتخاب “ماكرون” رئيس لفرنسا، وعليه لن يكون له أي دور مستقبلي لأن الحكم في فرنسا أصبح جمهوري بامتياز.
وأضاف “شاربتنييه”، من هذا المنطلق تحاول المعارضة الفرنسية غير المتماسكة، والتي ليس لها رؤية واضحة ودقيقة للعمل, استغلال أبسط الأمور حتى التافه منها لمحاولة رفع معنوياتها، وفرض إرادتها على الرئيس “ماكرون” وحكومته الحالية، وفي هذا السياق أتت الحملة المسعورة على “ماكرون” فيما يخص قضية حارسه “بنالا”، والتي أدت مع معطيات ومشاكل أخرى إلى استقالة وزير الداخلية “جيرار كولومب” أول داعمي “ماكرون” منذ ترشحه لرئاسة الجمهورية بحجة استعداده لانتخابات بلدية في مدينة ليون التي كان رئيسها لعدة سنوات قبل دخوله حكومة “ادوار فيليب”، وهذا يؤكد أن استقالة وزير البيئة “هيلوا” و بعدها “كولومب” تعبر عن خلاف عميق فيما بين الحلف السياسي الواحد.
وفيما إذا كانت اللوبيات تتحكم بقرار “ماكرون”، وهل للمال الخليج دور؟، بيّن “شاربتنييه” من وجهة نظري هي لا تتدخل إلا إذا انحرفت سياسة “ماكرون” عن المصالح الأميركية والإسرائيلية، ورأينا ذلك عندما حاول “ماكرون” التقرب من روسيا ماذا فعلوا؟، أما بالنسبة إلى المال الخليجي، ففرنسا حالياً مقيدة بسبب الاستثمارات الخليجية إضافة إلى التحالفات التي أبرمتها باريس مع عدة دول خليجية كالإمارات، المبنية على عدة مشاريع وصفقات سلاح.
وأضاف “شاربتنييه”، لقد فشلت الطبقة السياسية الفرنسية الحاكمة في تحرير فرنسا من الهيمنة الأميركية، ورأينا ذلك عندما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني، فكانت فرنسا أول من سحب شركاتها من إيران، ولو أنها لم تنسحب رسمياً من الاتفاق، إلّا أن النتيجة واحدة.
وختم “شاربتنييه”، منذ بضعة شهور يواجه ماكرون مشكلة كبيرة قد يكون لها تداعيات جداً سلبية على مستقبله، وقد تضع عهده على المحك كاستقالة وزراء الحكومة الفرنسية الحالية الواحد تلو الآخر، مما قد يعرض حكومة “فليب” إلى الانهيار، ويفتح المجال لسجال سياسي طويل قد تكون فرنسا في غنى عنه في الوقت الحاضر على الأقل، فالمعركة السياسية القادمة في الداخل الفرنسي قد تفتح الأبواب على مصراعيها، في وقت ما يزال الشعب الفرنسي غير مستعدٍ لهذا الصدام.
البعث ميديا/ سنان حسن