العمل التطوعي في سورية… داعم حقيقي أثناء الحرب وشريك في التنمية بعدها
ترجموا انتماءهم عطاء مستنهضين الهمم والطاقات لمواجهة تحديات الحرب وخدمة المجتمع السوري.. متطوعو سورية عصب العمل الأهلي الذي أثبت وجوده كداعم ومساند للمجتمع يواصل دوره ومسؤولياته بعد الحرب كشريك فاعل في التنمية والبناء.
وفي يوم التطوع العالمي الذي يصادف الخامس من كانون الأول أطلقت الأمم المتحدة عنوان “المتطوعون يساهمون في بناء مجتمعات قادرة على الصمود” على احتفاليتها بهذا اليوم حيث ينظر إليه على أنه فرصة فريدة للمتطوعين والمنظمات للاحتفال بجهودهم وتقاسم قيمهم وتعزيز عملهم في مجتمعاتهم المحلية والجمعيات الأهلية ووكالات الأمم المتحدة والسلطات الحكومية والقطاع الخاص.
وعرف العمل التطوعي في سورية كموروث اجتماعي تجسد بالأعمال الخيرية والنشاط المجتمعي على نطاق الحي والمدينة لتطرأ متغيرات على مفهومه فرضتها الحرب وتداعياتها ولا سيما تجاه أسر الشهداء وجرحى الحرب والنساء والأطفال وذوي الإعاقة والمسنين والأسر المهجرة ما زاد التحديات أمام توفير الدعم والتمكين.
وانضوى العمل التطوعي تحت جهود مشتركة لمنظمات وجمعيات أهلية محلية عديدة أحدها حملة “سوا ترجع أحلى” لإعادة تأهيل عدد من المدارس والمراكز الصحية والساحات العامة وفتح الشوارع في المناطق التي تضررت من الإرهاب.
وبين عمر العاروب رئيس مكتب العمل التطوعي في الاتحاد الوطني لطلبة سورية في تصريح له أن الحملة التي نظمت بالتعاون مع “الأمانة السورية للتنمية ومنظمة اتحاد شبيبة الثورة ومؤسسة بصمة شباب سورية والهلال الأحمر العربي السوري وبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس” استمرت ستة أشهر شملت عددا من بلدات الغوطة الشرقية والزبداني بريف دمشق والأحياء القديمة في مدينة حلب حيث تمت إزالة الأنقاض وفرز الأحجار الأثرية وفتح عدد من الأسواق ضمن المدينة إضافة إلى تنظيف سطح قلعة حلب وتجميل محيطها.
ولفت العاروب إلى أنه تم من خلال الحملة التي شارك فيها عشرات الآلاف من الشباب توجيه عدة رسائل أهمها نشر ثقافة العمل التطوعي بين شريحة الشباب الذين رفضوا منذ بداية الحرب الإرهابية على بلدهم أن يكونوا مهمشين وأصروا على القيام بالكثير من المبادرات التطوعية وإيصال رسالة بأن سورية تنفض غبار الحرب عنها بهمة شبابها وأبنائها ومتابعة ما بدأه الجيش العربي السوري الذي طهر المناطق من الإرهاب.
وتحت شعار “شباب واع ومسؤول” نفذت مؤسسة بصمة شباب سورية العديد من المبادرات والحملات الداعمة لأسر الشهداء وجرحى الحرب منها حملة “رد الوفا بالوفا” التي تطلقها المؤسسة سنويا وتشمل مشاركة السوريين داخل وخارج الوطن.
كما التزمت فئات عديدة من المجتمع السوري بمسؤولية التطوع كمبدأ إنساني ووطني متخذة زمام المبادرة بمهام تطوعية تنوعت بين المسعف والمغيث والداعم والتنموي حيث أكد محمد ظافر زنزول مؤسس مبادرة “إعمار” أن العمل التطوعي في سورية كان أحد أسباب صمود المجتمع السوري بوجه الحرب والإرهاب.
وأشار زنزول إلى أهمية تنظيم العمل التطوعي وتأهيل فرق تطوعية فاعلة ومبادرة في المكان الصحيح، مؤكدا أهمية نشر ثقافة التطوع والعمل المبادراتي ما بعد الحرب لتمكين الأفراد وتحصين المجتمع وأثره على المتطوع باكتساب خبرة وقدرة على التعامل مع المجتمع.
مبادرة “إعمار” التي تقوم على فكرة بناء الإنسان الفعال وتأهيله ليكون قادراً على تحمل مسؤولياته توجهت إلى فئة الشباب واليافعين بهدف بناء إنسان فعال في المجتمع السوري وتعزيز ثقافة “المتطوع المبادر”، حيث استطاعت المبادرة تقديم العشرات من التدريبات الاحترافية وصل بعضها ل 60 ساعة تدريب مجانية لما قارب ل600 شاب وشابة جامعيين .
وفي نفس السياق بينت رئيسة جمعية “جذور” خلود رجب أن الحرب الكونية على سورية تركت آثارا سلبية وكان لا بد من تكافل وتظافر كافة الجهود من خلال تقديم الدعم اللازم للوصول لمجتمع متطور وقادر على مواجهة الظروف الصعبة والأزمات من خلال عمل تطوعي متناسب مع متطلبات المرحلة وفاعل في بناء الإنسان وتنمية قدراته.
وركزت جذور منذ تأسيسها على الجانب التنموي والمشاريع المستدامة للوصول إلى أكبر عدد من المستفيدين من خلال تقديم الدعم النفسي و الاجتماعي وحماية الأطفال من العنف وتقديم الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية، إضافة إلى تمكين الشباب و الاهتمام ببرنامج خاص لذوي الاعاقة من خلال مشروع “سوسيت” الذي أطلقته هذا العام كأول مقهى بإدارة اشخاص من ذوي الإعاقة .
واعتبرت رجب أن العمل التطوعي في الجمعيات كان خلال الأزمة متمما ورديفا حقيقيا لعمل المؤسسات الحكومية، مشيرة إلى ضرورة تعديل آلية عمل الجمعيات للانتقال إلى المرحلة القادمة.
وحول أثر العمل التطوعي على المتطوعين يجمع عدد كبير منهم أنه قدم منفعة متبادلة بين المتطوع ومتلقي الخدمة حيث أكدت راما محمد أمين متطوعة في مبادرة “إعمار” سنة رابعة كلية الاقتصاد أن العمل التطوعي فرصة ليقوم كل فرد بدوره تجاه المجتمع، كما أنه يمنح الشخص الرضا كونه يحقق منفعة لأشخاص ليسوا أقل منا ولكن بحاجة إلى دعم وتمكين.
فيما اعتبرت المتطوعة في جمعية ساعد التنموية سلام أحمد أن العمل التطوعي ليس جديدا على المجتمع السوري إلا أن الحرب عززت وجوده بشكل كبير بسبب حاجة الناس للدعم والمساندة وخلال السنوات الماضية خرج عن دوره النمطي في الدعم الاغاثي ليكون شريكا في عملية التنمية المجتمعية.
يشار إلى أن الجمعيات الأهلية في سورية تعمل تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تواصل مشروعها في تطوير عمل المنظمات غير الحكومية بهدف التركيز على احتياجات القطاع الأهلي وتطوير البيئة القانونية والتنظيمية اللازمة لعمله وتبسيط الإجراءات لتسهيل عملها وتصنيفها وفق معايير عالمية لتكون شريكا أساسيا للقطاع الحكومي في بناء المجتمع.
وأنجزت الوزارة خلال العام الحالي مسوحات حول عدد وطبيعة عمل الجمعيات الأهلية في كل من دمشق وحمص وحماة وطرطوس واللاذقية ومسوحات باقي المحافظات قيد الإنجاز وتستمر خلال العام القادم ووصل عدد الجمعيات الأهلية “منظمات غير الحكومية” المشهرة في سورية إلى أكثر من 1500 منظمة.