غربة معلماتنا عن عائلاتهن.. في ذمة التربية والقانون
قد تكون موافقتها على شروط مسابقة التربية رغبة منها بالحصول على وظيفة دائمة لدى الدولة، أو ربما خوفاً من ألا تتكرر الفرصة ثانية،وربما لم تكن تعرف شروط المسابقة أصلاً، والتي من بينها التعيين في المكان الذي تحدده الوزارة حتى وإن كانت متزوجة، شرط فرضته وزارة التربية في مسابقتها الأخيرة، دون الأخذ بعين الاعتبار قدرة كل معلمة على التأقلم مع واقع جديد في مكان جديد، بعيداً عن أطفالها وزوجها وحتى أهلها.
فاقد الشيئ لايعطيه
تشرح المعلمة نداء واقعها لـ”البعث ميديا” قائلة: تخرجت من الجامعة “اللغة العربية” وكلي أمل بأن أكمل مستقبلي بالتدريس وقدّمت على ما أُعلن من مسابقات ولم يكن لي حظ في الحصول على رغبتي، وهكذا درّستُ بالوكالة عاماً بعد آخر وأنا أنتظر الفرصة المناسبة، وعندما أعلنت وزارة التربية عن مسابقتها الأخيرة سارعت وقدّمت عليها ونحجت، ولكن فرحتي لم تكتمل، حيث تم تعييني في محافظة حماة، وأنا متزوجة وأسكن في اللاذقية، ووجدت نفسي في وضع نفسي ومادي أصعب مما كنت عليه من قبل، حتى أني أرى نفسي مقصّرة بواجبي تجاه طلابي.
وتضيف نداء: وافقت على شروط المسابقة لأني اعتبرتها فرصة للإحتفاظ بـ”15″ سنة تدريس بالوكالة، بل كنت متفائلة بأن يتم تعييني في محافظتي، راتبي لايتجاوز 31 ألف ليرة وبما أني خارج محافظتي فقد استأجرت منزلاً “ومعروف ماهي الإيجارات هذه الأيام”، كما أن المدرسة التي أدرّس فيها بعيدة، ولاتتوفر المواصلات إليها وبالتالي أحتاج الى سيارة أجرة يومياً، ما شكل عبئاً مادياً كبيراً.
وتشير نداء بأنها وبعض زميلاتها قمن بتقديم طلبات نقل، إلا أنهم في الوزارة لم يتسلموا طلباتنا، حتى وصل بهم الأمر إلى القول: “من لاتعجبه شروطنا فليقعد ببيته”، وتقول: لو كانت المعلمة ابنة الوزير، فهل كان سيعينها بعيدة عن زوجها؟، وبصراحة أفكر بترك هذه الفرصة التي انتظرتها أكثر من 16 عاماً.
وتقول مدرسة الفلسفة هانيا: وضعي مأساوي بعيدا عن منزلي وزوجي “المتنقل أصلا من محافظة لأخرى لكونه عسكري بالجيش”، وأحيانا تمر عدّة أشهر دون أن ألتقي به لأن إجازته في أغلب الأحيان لاتتوافق مع إجازتي أو وقت فراغي، بينما تشير نيرمين ديوب إلى معاناتها بعيدا عن ولديها الصغيرين اللذين يبقيان عند والدتها العجوز فترة غيابها عنهم، وتتساءل.. كيف سأقوم بواجبي كمدرّسة بينما أنا بعيدة عن طفلي؟.
هذه شروطنا
أسئلة مشروعة وخوف على مصير وهموم حملتها “البعث ميديا” إلى مدير الشؤون الإدارية في وزارة التربية علي عبود الذي انهال علينا بسرد شروط المسابقة, حيث يقول: تم الإعلان عن إجراء مسابقة لتعيين عدد من المواطنين من الفئة الأولى من حملة الإجازات الجامعية لكافة مديريات التربية، وذكر ضمن شروط الإعلان بأنه على المعيّن بالعمل ضمن ملاك الجهة المعيّن لصالحها لمدة لا تقل عن خمس سنوات دون التقدم بطلب منه للنقل الى محافظة أخرى، وذلك في ضوء قرار رئاسة مجلس الوزراء القاضي بإجراءات وأصول التعيين والتعاقد.
وحول موضوع التحاق المعلمات المتزوجات بأزواجهن يشير عبود الى أنه لا يوجد قانون مايسمى التحاق المعلمات المتزوجات بأزواجهن ولايوجد مخالفات، حيث نُظّم القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004 وقرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 66 لعام 2013 وتعديلاته بالقرار رقم 62 لعام 2018، “الإجراء الواجب اتباعه من قبل الجهة العامة والشروط”، ومنها تقديم تعهّد بالعمل بالمحافظة المعيّن فيها ولمدة خمس سنوات، وتم الإعلان وفق حاجة المحافظة لكل اختصاصي.
خيبة أمل
هذا هو واقع الكثيرات من المعلمات المتزوجات اللواتي تم تعيينهن في محافظات غير محافظاتهن، وفي الواقع لم نأت بجديد لمن وضع أمله بأيدينا, ولكن نتساءل ماالذي يمنع وزارة التربية من اتخاذ قرارات وفرض شروط تتناسب وظروف المستفيدات من المسابقة، وإلى متى تبقى حياة ومستقبل الآلاف من الخريجين عرضة لرغبات واضعي متل هذه الشروط، على الرغم من أن الدستور السوري ينص في إحدى مواده على أنّ “الأسرة هي خلية المجتمع وتحميها الدولة، كما وتحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفل وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم”.
كما اعتبر السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد “أن الأسرة في المجتمع السوري تمثل الخلية الاجتماعية الأساسية والركيزة الحيوية للمجتمع التي تحفظ بقاءه وهويته وأصالته”، وعليه فقد صدر المرسوم التشريعي رقم 42 لعام 2003 القاضي “بإحداث الهيئة السورية لشؤون الأسرة والتي كان أحد أهم أهدافها حماية الأسرة وتعميق تماسكها والحفاظ على هويتها وقيمها”، لذا كان على وزارة التربية أن تأخذ بعين الإعتبار حماية هذه الخلية التي تشكّل البيئة الطبيعية لتنشئة الفرد وتربيته وتثقيفه وبناء شخصيته.
البعث ميديا- ابتسام جديد