ثقافة وفن

يوميّات تفاعلية حرَّة (7)

السبت 29/12/2012 مساءً

«دع المكارمَ لا ترْحل لبغيتها      واقعد فإنَّك أنت الطاعمُ الكاسي»

هكذا ورَد البيت في جريدة الثورة السورية لهذا اليوم 29/12/2012 تحت عنوان «الحطيئة وأنف الناقة» والملاحظات كثيرة هنا: فالبيت يصير مكسوراً على ما أظن مع إضافة فإنك ولو حذفناها لكنَّا أقرب إلى البيت الأصلي الحقيقي فعلاً: واقعد فأنت الطاعم الكاسي، أو أنها تبقى ذات وقع موسيقي على أيّ حال. من جهةٍ أخرى كنتُ قد استخدمتُ هذا البيت استرشاداً بأدبيَّاتِنا الصحفية الكثيرة التي لا تدقِّق كثيراً والتي نسبت على ما أظن للمتنبي في خِصامِه وهجائياتهِ مع كافور الإخشيدي ملك مصر، وظفتُ هذا في سياقٍ مشابِه في آخر كتبي المنشورة – «من دفاتر الستينيّات»، لكن مراقبة الحدث وتدقيق مسار البيت وصاحبه لاحقاً أشار إلى معلومات متباينة ومتضاربة أيضاً، فلدى مراجعتي لصحف الأعوام السابقة المتراكِمة لديّ من أعوام 2010 و2011 وبدايات 2012 مررتُ بإحدى زوايا «حنا مينه» في جريدة تشرين (وهو الآن لم يعد يكتب هذه الزاوية) وفيها ذكر البيت مع نسبته إلى الحطيئة وإرجاع السياق إلى خلافات الشاعر مع عمر ابن الخطاب الذي منعه من قول الشِعر فقال هذا البيت المخاتِل الذي حار النقاد في تصنيفِه هجاءً أم مدحاً كما كتب «حنا مينه»، أمَّا اليوم في جريدة الثورة فتجري نسبة البيت إلى الحطيئة أيضاً لكن في سياقٍ مزعوم آخر ومختلف تماماً هو «قصة الحطيئة مع الزبرقان بن بدر»…

والمهم في هذا الأمر كله: أولاً أن كافة المعطيات والمعلومات تحتاج إلى التحقيق والتدقيق لتحديد النسبة والنسَب وبالتالي فالبحث العلمي والمنهجية الرصينة لازمة وضرورية في سائر الأحوال، وثانياً أنَّ الحكمة من بيتٍ كهذا أو أمثالِه هي الأساس فسواءً كانت القصة بين المتنبي وكافور أم بين الحطيئة وعمر أم بين الحطيئة والزبرقان فإن خلاصة الفكر والحكْمة هي التأسِّي والتشكّي من ظلمِ ظالِم أو طغيانِ حكْم من الأحكام، أو مقاومةُ قهر أو ما إلى ذلك – هذا كمعنى رمزي وكقيمة، ويبقى موضوعاً آخر مدى موثوقية التأسي أو التشكّي أو المظلومية في القصة الأصلية ذاتها مما يستوجب التحقيق والتدقيق والبحث في ذاك السياق التدقيقي، أما رمزياً ودلالةً فيمكن توظيف البيت بهذا المعنى في كافة الظروف وفي استقلالٍ عن حيثيّات الحدث الأصلي.

يوم السبت 29/12/2012 مساءً سا 8.15

– 1 –

– منذ قليل انتهى لقاء مطوَّل في فضائية / قناة «الميادين» مع «قدري جميل» ربما لمدة ساعة وربما منذ الساعة 7.00 مساء وانتهى تماماً مع الساعة الثامنة مساءً، ما يهمني تسجيلُه منه الآن هو جزْء/ أوْ تفصيلية بطابع تفاعلي مع ما سجَّلتُه قبلاً هنا عن نشري منذ الألفية الجدية لتشريح الغرب الأورو – أميريكي: الغرب بجناحيه الأوروبي والأميريكي على نطاقٍ واسع في الدوريات والندوات واللقاءات المختلفة، وصار عرْفاً مهيمناً وحاضراً بقوة على هذا المنوال، وقد استخدم قدري جميل هذا التشريح التفكيكي بكثافة وبصورة واسعة على مدى فترة اللقاء بما يُشبه التقصد وعن وعي وكان اللقاء مباشراً من دمشق، مِن مكتبِهِ في رئاسة الحزب المعارِض (35 جماعة سياسية) إذْ لوحِظ كتابة «مباشر» على زاوية الشاشة.

– 2 –

– مِن تفاعليات اليوم ما ورد في تصريح إخباري عن «لافْروف» أن الجهات (….) السورية التي لديها تصور عن مستقبل سورية فلتضع ذلك وتكتبه على الورق: أريد من هذا الإشارة إلى ممارسة مشابهة قمتُ بها بوضع شيءٍ ما على الورق منذ أسابيع صار واقعاً مباشرةً وفي الحال عملياً، كما أنَّ الدعوة الجديدة – غير أنها تثبت وعي هذه التجربة «الافتراضية – الواقعية بشدة معاً – هي تشجيع على وضع تصورات مماثلة ستلقى الترحيب والتبنّي والاهتمام بما يكفي لنقلها بدورها من عالم الورق (الافتراضي) إلى الواقع الحقيقي الملموس.

– 3 –

تابع السبت 29/12/2012 مساءً – تابع

كما أن منهجيَّتي الاطلاعية الشاملة من عتبات أواسط الستينيّات هي بمثابة اجتهاد للقبض على مفاتيح ومفاصل العصر، كذلك فإنَّ «الزَعْم» بالاطلاع على أهم وأميز اتجاهات ومدارس العصر مما سجَّلتهُ على خلفية كتابي الأول منشوراً عام  2004 (رغم كتابتهِ أواسط الستينيّات) هو اجتهادٌ بدوره أيضاً، والاجتهاد الثالث المشابه لذلك كله منهجياً والآن نظرياً وتطبيقياً في الممارسة وفي النتائج على أرض الواقع، هو المتحقِّق والمنْجَز الحقيقي بناءً على هذه الاجتهادات والافتراضات والتوجهات والمسلَّمات: إن التجربة والتطبيق الفعلي هما المعيار النهائي للمصداقية في نهاية المطاف وفي المحصلة النهائية: مدى قربك أو بُعْدِك عن مقولة: «كنْ فيكون». و«المدَّعي» الآن في الاجتهاد الرابع أنه يُتابع أهمَّ المجْريات ومفاصل الأمور في ميدانٍ ما أو في أهم الميادين أو في الميادين والمجالات المفتاحية للتأثير على حركة المجتمع والتاريخ المعاصرين هو بدورِه صنْفٌ من المجتهدين ومعيار موثوقيَّتهِ ومصداقيَّتهِ هو الاستشراف والتنبُّؤ وتحقُّق التوجهات المرسومة والتوقُّعات والقدرة على القبض على الخيارات والسيناريوهات.

إنَّ الاجتهاد في عصرنا هو الميزة وهو الخاصية الركنية وهو مبني على خيارٍ واختيارٍ حتماً وعلى منهجيَّةٍ وطريقة في المتابعة وفي الدرْس وفي التقييم والتقويم وفي الوعي والممارسة وفي تركيز الإرادة وتكثيف الجهود والطاقات واستنفار المعارف والخبرات والمهارات والإمكانات والتمكينات في الاتجاه المطلوب والخيار المرغوب: إنه اجتهادٌ واعٍ وفاعل ووجهة نظر وحياة مؤداها ومُنتهاها مَعامِل التجربة الاجتماعية – التاريخية ومُختبَر التطبيق النهائي مجتمعياً، حين تتحدد دقة وأرجحية الاجتهاد والخيار والطريقة والنهج في بحرٍ متلاطِم من الخيارات والمناحي والتوجهات وأوقيانوسٍ بلا ضفاف من المعارف والمهارات والخبرات… الخيار النهائي المُجتبَى والمنتصر يحدّد مدى قربِك أو بعدك من /عن الحقيقة ومن «النجاح» ومن «حسن التدبير والرَشاد» وهذه أمورٌ كانت وستبقى مفتوحة دائماً وأبداً.

السبت مساء 29/12/2012 تابع

مِنْ تحدِّيات اقترابي/ من أو ابتعادي عن تجربة «كن فيكون» أنَّ هذا الشتاء عندنا ونظراً للظروف السورية المأساوية والتشرد والتهجير والبرد القارس، وما هو بقارس، رسمتُ افتراضياً تصميماً لهذا الشتاء على شاكلة: شتاء خفيف وملطَّف في بداياتِه، دافئ قدر الإمكان مع احتمال أن يكون شهره أو شهراه الأخيران القريبان من طوق النجاة من البَرْد والمجاوران لمواسِم الدفء باردَين في حدود عدم الإخلال بتوازن العام بيئياً ككل. وقد راهنتُ افتراضياً على شتاءٍ كهذا وعلى تصميمٍ هندسي بيئي (مناخي/طقْسي) مِن هذا النوع لهذا العام، بل وصرَّحت بذلك شفوياً وعلناً لأحدهم عن هذا ورسمتُ فنيّاً ونمذجياً (اقتداءً بنموذج) صورة لفيل البحر (المورْج) الكائن البحري الضخم الذي تتجمَّع أجزاؤه العظمى وشحومه ودهونه في مقدمته، سيما حين يتجمَّع ويسْتجمِعْ نفسَه للتحرك أماماً فيغدو ثلثا كتلتِه الشحمية – الدهنية في ثلثِه الأمامي: هكذا هي صورة شتائِنا المرغوب والمفترض والمصمَّم المُمَشْرَع (كمشروع بيئي محلّي: مناخي / طقسي)، على أيّ حال فإن تجاربي ومشاهداتي وشهاداتي الحية على التصميم والمشَرْعة والتدبير العاقِل الفعَّال لشؤون البيئة وللتلاعب بها أكثر كثيراً من أن تُحصى أو تُحصَر، فقط يلزمني الوقت لاحقاً لتدوين ذكريات وشهادات بيئية تدبيرية كافية لملء المجلدات والموسوعات، هكذا أطلقتُ على شتائنا السوري الحالي تسمية فيل البحر (المورْج، Mop*b…)، ولنا تجربة استشراف مشابهة في ترميز وتشفير عملية الأطلسي في ليبيا منذ بدايتها وتسمية الحلف لها على أنها «فجْر الأوديسا» وما أدراك ما الأوديسا (لا أوديساْ لا وْزيقْيا = لاذقية) والنوايا الخفية باتجاه سورية نهاراً جهاراً مِن بعد الفجر، وهوْميروس وما أدراك ما هوْميروس وحصان طروادة الذي تسلَّل إلى داخل القلعة الحصينة، ومثل هذا هو الذي حصل فعلاً في سورية حتى الآن، هل لدينا أحدٌ ممن يقرأ الرموز والشيفرات بدءاً مما في القرآن الكريم وحتى الآن؟ أشك في ذلك وإلا ما عليك سوى الرجوع إلى قراءات معاصرة من قمة ومرجعية إفتاء الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين (ممثلاً بالقرضاوي) وتفسيراته الغيبية الخوارقية الإعجازية لِلجن ولِجنّ سليمان بالتخصيص، وكذلك النَصر غير المفهوم بأيّ منطق مقبول على جيش أبرهة الحبشي الجرَّار الذي عجز عن هدم الكعبة وباد أو عاد مهزوماً وكيف: طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيّل! هل ثمة محاولة واحدة لقراءة الشيفرة والرموز من خارج عالم الغيبيَّات والخوارق والمعجزات حتى في مقاصد القرآن ذاتِه ترميزاً وتشفيراً لقوى واقعية أكثر معقولية؟؟

– 5 –

– تجربة أن يقوم مواطن عادي شبه مجهول ومغفل (من الذِكر أو الشهرة على أي حال) بالتأثير بفعاليةٍ وبعمقٍ بالغ على أحداث العالَم المعاصر بمصاف تأثيرات الدرجة الأولى أو العظمى، هي تجربة جديدة تماماً على الناس سابقاً وحتى الآن أيضاً، فالمعروف والمألوف أن يكون صاحب دور كهذا رئيس تنظيم عالمي ما، أو رئيس دولة عظمى ما، أو أحد أساطين الإمبراطوريات الكبرى أو ما إلى ذلك من المراكز والمناصب والمقامات الشهيرة المشهودة والمشهود لها، وكي يبدأ الناس المعاصرون لنا بفتح العيون والعقل على آفاق ووقائع جديدة كلياً وغير مسبوقة في صناعة الأحداث والعمليات الكبرى سيحتاجون إلى وقتٍ طويل وجهود وَتدريبات مديدة قد تطول عقوداً أخرى، وسيكون بدء الماراتون الكبير في هذا الاتجاه مع تنامي واكتمال تسجيلاتنا وتدويناتنا الحالية التي تساعد على كشف كثير من الآليات والحنكات ومن المعلومات والمعطيات غير المتوقعة والتجارب غير المسبوقة ويحتاج الأمر إلى مراكمتها أيضاً وتمثلها وهضمها معرفياً بعد حين، وكلما طالت واستطالت هذه اليوميات، وكلما غزرت وتكشَّفت التجارب والمعلومات اليقينية في هذا الاتجاه اقتربنا من الهدف المنشود والمذكور أكثر فأكثر ونجحنا في اختراق حواجز التقليد والأعراف الجامدة الثابتة وانفتحنا على عالم جديد كلياً له منطقهُ الخاص وطقوسه الأصيلة والجديدة والخلَّاقة.

من جهتي منسجمٌ تماماً مع ذاتي: أفضّل أن لا أكون مسؤولاً أو سياسياً لامعاً في عالم موبوء ودولة ضعيفة متخلفة بخاصة لهشاشة الوضع، ولكن أبقى مواطناً عادياً بتأثيراتٍ حاسمة وآثارٍ فعَّالة كبرى خارج منطق وظروف وبيئة الهشاشة المحتَّمة في هذه الشروط.

السبت تابع 29/12/2012

– 6 –

– كان على العرب والسوريين الاعتراف منذ البداية أن المخابرات المركزية الأميريكية CIA هي ليست كما هي بالعربية لغةً بل تعني «وكالة الذكاء المركزية» (I=intelligence) وقياساً الاعتراف أن حربَهم مع أميريكا والغرب هي حرب الذكاء وليس المخابرات والاستخبارات بالمعنى التقليدي المألوف، وقد أدرَكتْ إيران هذه الحساسية مؤخراً بإطلاق

تسمية الحرب الذكية على مناوراتِها الحالية في هرمز والخليج وغرب المحيط الهندي: «الولاية – 91»، ومن هذا المنظور يلزم القيادة السورية شهامة وشجاعة الاعتراف بانتصار إسرائيلي – أميريكي ساحق في حرب «الذكاء» تحديداً بغضّ النظر عن هوية المنتصر النهائي في الحرب الكونية على سورية، ولاسيما عبر تحويل حرب دولية كونية إلى مَسْرب المواجهات الداخلية تحديداً بالوكالة: هذه حرب ذكاء وقد انتصروا فيها حتى الآن بهذا المعنى «الذكائي» حين أتت الخسارات الكبرى سورية مائة بالمائة تقريباً من البنى التحتية والكوادر البشرية والجيش والمدنيين والعتاد والإمكانيات الاستراتيجية والاقتصاد والوجدان والنَفسيّات والانتماءات والوطنية والمواطَنة والمواطِنية والقومية والنقاء الإنساني ومنظومة القِيَم والعقائد…إلخ..إلخ لقد كانت الخسائر فادحة حتى الآن وبكل المقاييس، كما أن حجم وأبعاد الإفادة من هذه التجربة (استخلاص الدروس والعِبَر) لازال هزيلاً جداً ولا يتناسب إطلاقاً مع إرادة الحياة والاستمرارية/ الديمومة والتصميم على رأْب الصدع والبناء الخلّاق.

الأحد 30/12/2012 نهاراً – ظهراً

– 1 –

قبل البارحة تأكدتُ من صحة معلومات حسن ملحم عن سيطرة المسلَّحين على الغوطة إجمالاً، وذلك عندما اشتريت «الفراريج» من بيَّاع الحارة في الجزيرة 10/ أسفل وهو من جوبر التي هي أقرب ما في الغوطة إلى دمشق وأكَّد لي أنه يمرّ يومياً بحاجزَين أحدهما للجيش النظامي والآخر للجيش الحرّ والحدود بينهما بضْع مئات الأمتار، وأن جوبر ذاتها وما يليها باتجاه الغوطة هي حقاً في قبضة الجيش «الحرّ».

– 2 –

الأحد 30/12/2012

المظاهرات والاحتجاجات والمهرجانات الجماهيرية المعارِضة في الأنبار العراقي وفي الفلوجة ليست عفوية أو اعتباطية وليست بريئة على الرغم من مواجهة المطلبية التي تبدو محايدة ومُحِقّة، بل هي سياسية وشديدة التسيُّس، وعلى صلةٍ أكيدة وقوية مع أنباء الجِسْر الجوي وجِسر العبور عموماً عبر العراق إلى سورية قدوماً من إيران، وخصوصاً بعد تطوير هذا الخيار إلى العبور عبر إيران فالعراق إلى سورية حتى مِن الصين وروسيا مباشرة – راجع تدويناتي منذ أيام أو بعض أسبوع هنا.

د. معن النقري