مساحة حرة

فقاعات إبداعية

يكفي أن تكون ذا حظوة لدى أحد العاملين في واحدة من محطاتنا المحلية، ليلقى (منجزك الإبداعي) مهما كان مستواه، الاستحسان والتصفيق، وحب الكاميرات لوجهك “الفوتوجينيك” التي تجول في كل مكان، لتلتقط أبسط التفاصيل، وتتعارك لأخذ لقاء من المبدع الافتراضي، ليُعرض على الشاشات، ولا مانع أيضاً أن تنتقل تلك العدوى إلى عدد من المراكز الثقافية، لتحتفي بنفس المبدع ونفس المناسبة، وطبعاً هناك من ينبري من النقاد أيضاً لتقديم القراءات المختلفة لذلك المنجز، ولا مانع من بعض الخيال والشطط وبعض التوابل في سبيل تلميع (المبدع) وإظهاره كبطل في زمانه.

هذا واقع يحكم حياتنا الإعلامية إلى حد كبير للأسف، شئنا الاعتراف أم أبينا، ونحن لسنا ضد إظهار تجربة إبداعية ما والحديث عنها إن كانت تستحق ذلك فعلاً، شرط عدم المبالغة في الموضوع، والعمل بأدنى شروط المهنية على الأقل، لكن في ظل ما يحدث على أرض الواقع، تضيع فرصة المبدع الحقيقي في أحيان كثيرة ليظهر، إن حدث وظهر، لا يضاء على تجربته كما يجب، ولا يصل صوته إلى أحد! ما يدفعنا للسؤال: تُرى إلى متى سنبقى نتعامل مع مبدعينا وفق سياسة الخيار والفقوس؟ متناسين أن التجربة الإبداعية الحقيقية، هي من سيبقى وما دونها لن يكون سوى فقاعة مصيرها الانفجار والتلاشي.

العجيب أن الكثير من الشباب السوري، المتعلم منهم (مهندسون، أطباء، معلمون، وغيرهم) تحتاج البلاد لاختصاصاتهم أيما حاجة في هذه الأوقات العصيبة، هجروا مهنهم وانصرفوا إما لكتابة الشعر الذي لا يُقرأ في عمومه، أو للخوض في مجال القصة والمسرح، دون أدنى دراية بالقواعد الفنية اللازمة التي تحكم كل فن على حدى، إلا أنهم وبفضل تلك العلاقات الإعلامية، تلك التي تذهب إلى تضخيم أناهم “الأدبية”، يتركون ما درسوه وتعلموه في الجامعات، ويتحولون إلى شعراء وكتّاب (عاطلين) عن العمل، وجل همهم مُنصب على لقاء إذاعي هنا، أو حديث تلفزيوني هناك، والأعجب، هو طريقة الإعداد التي لا يوجد فيها أي سؤال نقدي ينم عن مهارة المحاور، وبالتالي فإن أي جواب بجود به أحد أولئك الضيوف من (الأدباء والفنانون)، ومهما كانت أخطاءه لا تغتفر، يمرُ على المقدم أو المقدمة، دون أن يستوقفهم أن الجواب من أساسه خاطئ، لأن السؤال في الأصل أكثر خطأ.

مررنا بما ممرنا به، وجاءتنا الدروس الحياتية بشكلها الأقسى، إلا أننا وكما يبدو، لم نتعلم من الأخطاء التي تراكمت وصارت جبالا تثقل كاهل الوطن والناس، ووسط هذه المعمعة بين (شاعر) فاشل لديه علاقاته الخاصة، تلك التي تجعله ينط في وجهنا يشكل متكرر، وآخر يستحق فعلا هذا اللقب لكنه لا يمتلك موهبة “الكولكة” التي صارت هي من تصيغ هذه العلاقات، تضيع الطاسة، وتصبح العلاقات العجيبة تلك، هي من يحدد هذا الشأن الخطير، دون أي اكتراث بما يتم فعله ووصفه بالجريمة الاجتماعية والفكرية فعلا، وما يهم هو شغل ساعات البث المباشر بأي شيء حتى ولو كان لا يقدم أي فائدة ولا متعة، والفائز طبعا بتلك الإطلالات (العبقرية)، هو القادر على وضع مواهبه في العلاقات العامة، لخدمة مواهبه في الأدب، حتى لو كانت تلك (المواهب) لا يوجد منها إلا الاسم، وحتى الاسم، كثير عليها.

 

تمّام علي بركات