الزمان كأهله.. وأهله كما ترى!
الحرب تخلق آدابها وتغير فنونها، وعادة ما يمشي في ركب هذه الأدبيات، معظم المشتغلين بالحال الإبداعي باختلاف أنواعه “مسرح، قصة، اغنية، فيلم سينما، مقال..الخ”، فالحديث عن فترة ما قبل عام 2011، يختلف كليا وفي جميع اتجاهاته، عما بعد هذا التاريخ، ليس على أرض الواقع فقط، بل حتى في خيال الكتاب والشعراء، فهل حدث لدينا ما يحدث للبلاد التي تخوض حربا طويلة، وصار لدينا أدبنا وفننا القادم من الواقع؟ خصوصا وأن الواقع اليوم، قد سبق الفنون والآداب بأشواط عديدة؛ وهل بات بإمكاننا اليوم، الحديث عن وعي جمعي-ثقافي-اجتماعي عام، يُجمع عليه أبناء البلد الواحد، البلد الذي خاض ويخوض ومعظم أهله –تقريبا-حربا من أطول الحروب في التاريخ الحديث ولمّا ينتهي منها بعد؟ هل نستطيع القول أن هذه الحرب، كما كل الحروب، حركت على يدين أدباءها و الفنانين بعمومهم، المناخ الثقافي والاجتماعي، في اتجاهات مختلفة، أبرزت ما ابرزت منه، وطغت على ما طغت عليه، من ثقافة اجتماعية كانت سائدة قبلها، خصوصا وأن الحروب تغير المفاهيم والقيم، وهي أي الحرب تُخرج أجمل ما بدواخل النفس البشرية، لكنها لن تنسى أن تُخرج أسوأ ما فيها أيضا، هل استطعنا بكل ما قمنا به من مهرجانات، تكريمات بالجملة، مقابلات حدث ولا حرج، احتفاليات لا تتوقف، برامج فنية مُنمقة ومٌقلدة، أفلام لم تقدر على جذب الجمهور المحلي فما بالنا بالعالمي، وغيرها، ويأتي السؤال الأهم: هل استطاع كل ذلك، أن يجعل العائلة السورية الواحدة، صاحبة وعي عام اجتماعي وثقافي واحد، أهم أولوياته المواطنة والانتماء ولو اختلفت الآراء في التفاصيل؟، هل لعب أعلامنا وفنوننا الدور الحقيقي الذي عليها في فترة الحرب أن تكون عليه؟
هذا ما كان منوطا بالإعلام بأنواعه، أن يظهره بشكله الحقيقي والمخترع أيضا –الحرب خدعة-، حتى لو كان الواقع قاسيا والظروف عصيبة، ثم هل عمل أدباء هذا البلد و أهل الفنون، على رفع منسوب الوعي الشعبي، من خلال ما قدموه ويقدموه كل في مجاله؟ أيا كانت الإجابة، نعم أو لا، فهي مفتوحة للتقييم الخاص، لكن أرض الواقع وطبيعة أهله حتى اللحظة، لم تزل على حالها، وليتها بقيت على حالها وحسب، بل أنها تراجعت وبنسب كثيرة، وتدهورت، بحيث أصبحت الأولويات الموجودة اليوم على لائحة المواطن، هي الحياة أولا، له ولأبنائه إلى جاره فجاره الابعد وهكذا دواليك، فواحد من أخطر ما تشتغل عليه الحروب عموما، ماضيا وحديثا، هو العمل على ضرب الثقافة الجامعة لكل أمة، وتمرير الكثير من الأفكار المشبوهة، عندما يختلط الحابل بالنابل، والتي تبدو للوهلة الأولى أنها ليست كذلك، خصوصا وأن شعاراتها الرنانة صارت أكثر بريقا، وما من مناسبة تمرّ بها البلاد، أو دونها، إلا ونجد مهرجانات لا تحصى ولا تعد، لمختلف أنواع الفنون الآداب تضرب أطنابها، إلا أن مقولة “اسمع جعجعة ولا أرى طحينا”، هي ما ينطبق فعليا على تلك الأفعال وحقيقتها بنتائجها طبعا، دعونا من شكلها.
الغريب حتى اللحظة هو أننا حتى لم نغير بعد خطابنا الإعلامي نفسه، لم نوحده بين منصاتنا الإعلامية، فكل يغني على ليلاه، وما تراه على الشاشات غير ما تقرأه بالجرائد، وما تقوله الإذاعات بعيدا بما يكفي كي لا يسمعه الشارع.
إن يكن هذا هو حال إعلامنا وفنوننا بشكل عام، واجهتنا العالمية، التي نطل بها على العالم، فمال هي حال عند الناس إذا؟
كتب صاحب سرفيس على زجاج الخلفي: الزمان كأهله، وأهله كما ترى. يا لها من عبارة عبقرية، خطها صاحب تلك السيارة، لخص فيها وبشكل أدبي بالغ البراعة، الواقع الذي عشنا ونحيا على ارتجاجاته العنيفة جدا في كل يوم.
تمّام علي بركات