(قال لها).. قصائد الغوص في ذاكرة الحنين
الأديب بشار خليف، الطبيب والقاص والباحث والشاعر، باختصار شديد هاهو بعد الكثير من الكتب الهامة، يدخل استراحة المحارب بكثير من المحبة، لبدع لنا مجموعة شعرية مختلفة ومتميزة، يكتب شفوياته ورسائله إلى المرأة كمعادل روحي ونفسي آخر، يتناغم مع البنية النفسية لمحتوى القصيدة، حيث يدخل ردهة الحب باختصارات مذهلة ومدهشة في ذات الوقت،موصلا بطاقاته الشعرية عبر قصائد قصيرة جدا، يمكننا القول عنها أنها قصائد (هايكو) وقصائد الومضة التي تنتمي إلى مايعرف بالسهل الممتنع. في مجموعته الشعرية الموسومة بـ(قال لها).
منذ العنوان الذي يعتبر عتبة دالة للولوج لمحتوى النص الإبداعي، نحن أمام أحد ما سيقول لها، وهذا القائل هو الشاعر بشار خليف في مجموعته الشعرية هذه، حيث يدخل الشاعر في عالم روحه المشاغب والطريف والجاد والعادي. القصائد في هذه المجموعة تبدو مثل فراشات ملونة مشاغبة، حرونة ومسالمة، هي أقل مايمكن القول عنها، مقامات من وجد العشق الطافح بالهيام، مقامات وأنسنة وتصوف، وما يقابل ذلك من تضادات ومن هذيانات، ومن كشف مستور علني وغامض، أبيض وأسود بلا رماد.
قصائد الشاعر بشار خليف فلاشات سريعة في عتمة ليالينا، وشموع تحترق لنزف دمعها وهج القصيدة الحديثة. منذ الإهداء سنكون أمام حالة شعرية متفردة. الإهداء: ( إليك ماذا تحبين كي أحبك ) ص 9 هكذا هو بشار خليف يعلن عن خطابه الشعري، بمنتهى الوضوح، يقول مايريد قوله باختصار شديد: ( بنكشة دبوس مؤلم / تعالي مثل الفراق مرة واحدة / رويدا.. رويدا أحفظك عن ظهر قلب ) ص 18.
يقول النفرّي: (كل ما أظهر إبرة وكل ما أستر خيط). لعّل الشاعر بشار خليف، كذلك فعل في قال لها، ولعب مثلما يحلو له أن يلعب وأدخلنا نحن القرّاء في دوامة ماهو معلن وماهو صريح وبين ماهو غامض ومطلسم. يقول: (بثلاثتك أفرح روحك وجسدك وأنا) ص 42 ويقول: (مال أبيضك على أسودي فكان قوس قزح) (ص 54) في هذه المجموعة الشعرية تطالعنا بعض القصائد الطويلة نسبيا، قياسا بقصائد المجموعة: (تجيئين بكل مالديك تخلقين فصولك الأربعة / ثم تذهبين تاركة عند قلبي بضع زنابق وبقايا قبلات/ وذهول مباغت يحتاج لمن يكنّسه مع ماتبقى من دموع) (ص 79).
كل مافعله بشار خليف في مجموعته الشعرية هو إيجاد مساحات شاسعة من الفرح يقابلها مساحات أشد رحابة وحفاوة بالحزن. في مجموعته الشعرية هذه نجح وإلى حد كبير في خلق نص شعري قصير جدا فيه من التناقضات والتضادات مافيه، ماحقق له حضورا آسرا وجميلا، ورحلة بحث عن مفتاح لقفل كل الجمل الشعرية الموصدة، التي تبدو وللوهلة الأولى انها سهلة الفتح، بيد انها وفي بعدها الإنساني واللغوي المرمّز، تهدف إلى أبعد من ذلك بكثير، في (قال لها) مساحات من مقام الحزن الجليل والجميل والرصين. يقول: (ما أقسى دمعك الذي جرى على خدي/ لا أثق بحبّ يأتي على حين حزن / ليس لدمعي حزن سواك) (ص 175). يقول أيضا: (حين تغيبين عشر أصابع لاتكفي / كي أعدّ مرات موتي / وحيد تحت المطر هكذا أنا دائما / هكذا أنت دائما تخونين المطر).
الشاعر بشار خليف في (قال لها) حالة شعرية جميلة، ومشهد حداثوي يضاف إلى حداثة قصيدة النثر. كما انه استطاع أن يجد لقصيدته ذاك المس من الخيط الذي يؤسس لقصيدة تشبه مبدعها ولاتشبه أحدا سواه.
الديوان من إصدارات دار الرائي دمشق . 224صفحة من القطع المتوسط.
البعث ميديا || أحمد عساف