الشريط الاخباريمنوع

1 نيسان …عيد بداية السنة السورية ال6769 ” أكيتو”

لم تقتصر إبداعات السوريون القدامى على أول أبجدية وزراعة أول حبة قمح وتدونين أول نوطة موسيقية بل اتخذوا الأول من نيسان بداية سنتهم الجديدة منذ 6769 عاما تحت اسم “أكيتو” لأنه البداية الحقيقية للحياة. فبعد موسم البرد والمطر يأتي الربيع وينبعث الإشراق والنضارة في المزروعات والحقول وهو المعنى المستمد من كلمة “آكيتو” التي تشير لغوياً إلى موعد بذر وحصاد الشعير.

تاريخ “آكيتو” الذي يعني بالسومرية “أكيتي سنونم” أي عيد رأس السنة لدى الأكاديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين بقي متجسدا كعيد قائم عند الحضارات السورية المتعاقبة ومنها أوغاريت وإيبلا وماري وتدمر ودمشق واتخذه البابليون ثم الآشوريون والسريان تقويما لبداية السنة لديهم استقوا طقوسه من أنشطتهم الزراعية ومن فرح الأرض.

وبحسب مدير عام الآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود فإن السنة السورية القديمة تبدأ في الأول من نيسان “نيسانو” في اللغة الآرامية ويعود الاحتفال بهذا العيد إلى السلالة البابلية الأولى أي إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد ويعد أقدم عيد مسجل في تاريخ الشرق الأدنى ويستمر الاحتفال به 12 يوما تخصص الأيام الأربعة الأولى منها لممارسة الطقوس الدينية أما الأيام المتبقية فكانت تتضمن بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى مواكب احتفالية تضم ألعابا رياضية ورقصات وكانت تقام الأفراح وتعقد احتفالات متنوعة أبرزها احتفالات الزواج.

ولفت الدكتور حمود إلى أن الأول من نيسان اتخذ بداية للسنة عند السوريين القدامى لأنه البداية الحقيقية للحياة بعد موسم البرد والمطر كما يخرج الناس إلى الحقول للتمتع بدفء الربيع ووفق ذلك فإن السيران الشامي له جذور قديمة والاحتفالات به لا تزال موجودة كدليل على قدوم الربيع وما يحمله من خصوبة لكل مظاهر الطبيعة وكل ما فيها، كما يحتفل سكان الساحل السوري به في الرابع من نيسان حسب التقويم الشرقي وفي مصر يسمى عيد “شم النسيم”.

وتعود قصة “آكيتو” إلى الألف الخامس والرابع قبل الميلاد بحسب منال ظفور ممثلة سورية في المنظمة الاستشارية للتراث والفلكلور والتي بينت أن الكلدانيين الأوائل والسومريين الذين سكنوا وسط وجنوب العراق القديم 5300 ق م كانوا يحتفلون برأس السنة مرتين الأولى نهاية شهر تشرينو “تشرين” حتى آدارو “آذار” ويعرف بسورية عيد القوزله “القوزلي” وهو عيد الاعتدال الخريفي وبذر الشعير والحنطة بعد أول مطرة، أما الاحتفال الثاني فيكون في بداية نيسانو “نيسان” حتى إلولو “أيلول” وهو عيد الاعتدال الربيعي والاحتفال ببدء وعودة الحياة للطبيعة وبعد فترة أصبح الاحتفال مرة واحدة بالسنة وهو “آكيتو”.

وبينت ظفور أن آكيتو عند السومريين تعني الحياة وعند الأكاديين تعني الفرح وبالسريانية آرامية كانت تلفظ “حج” وتعني الاحتفال والفرح وبالبابلية “ريش شاتيم” أي رأس السنة.

وعن طقوس الاحتفال بـ “آكيتو” أوضحت ظفور أن الاحتفال به يبدأ بـ 21 آذار وينتهي في الأول من نيسان حيث تقدم القرابين والنذور والأضاحي وتسير مواكب احتفالية كبيرة وتقام الألعاب الرياضية والرقصات وكانت الاحتفالات تستمر من 11 إلى 12 يوما وفي منتصف المدة كانوا يقيمون أفراحهم وأعراسهم وطقوس الزواج المقدس.

ورأت ظفور أن غياب هذا الاحتفال جاء نتيجة التحريف والتزوير الممنهج الذي فرض خلال فترات الاحتلال الذي تعرضت له سورية من عصر الاحتلال الروماني مروراً بالعثماني والفرنسي حيث قام الاحتلال بمحو التاريخ وكتابة آخر مزور، لافتة إلى أهمية إعادة إحياء التاريخ والتراث اللامادي الذي ما زال محمولاً بذاكرتنا الشعبية وعاداتنا وتقاليدنا “ولولا الذاكرة الشعبية التي انتقلت لنا عن طريق الأجيال التي سبقتنا لضاع تاريخنا في خبايا النسيان”.

وتحتفل وزارة السياحة برأس السنة السورية “آكيتو”  منذ العام 2016 حيث تستذكر بفعالياته طقوس عيد بدء الخصب ونمو الزرع والثمار.وهذا العام من خلال “مهرجان الخبز” الذي تنظمه مديرية سياحة دمشق في خان أسعد باشا من الـ 1 إلى الـ 3 من نيسان، كما تقيم مديرية سياحة طرطوس بالتعاون مع اتحاد الحرفيين معرضا للمهن اليدوية والحرف التراثية التي تشتهر بها المحافظة وأمسيات فنية وموسيقية تحاكي تراث الساحل السوري احتفالاً برأس السنة السورية.

من الموت تولد الحياة.. والحياة تنتهي بالموت ضمن دائرة كونية منتهية تعرف بالماندا السورية.. هذه الفكرة الجوهرية لا بد أن نتذكرها لأنها الفكرة التي ارتكز عليها عيد الآكيتو وفق ظفور التي جددت تأكيدها بأن “الآكيتو عيد السوريين”.