أخطر أنواع البشر؟!
مع اتساع ميدان المعرفة وتقدم العلوم لدى الإنسان، يأتي الباحث الإيطالي كارلو سيبولا بكتابه “القوانين الأساسية للغباء البشري” ليشرح لنا العواقب الوخيمة التي تنتج عن الأحمق الذي يساهم في انتشار الجهل والخرافات على حساب المعارف، ويصف الغباء بأنه “أكبر المخاطر الوجودية على البشر”.
وتتعدد المقولات عن الغباء، كقول آينشتاين: “شيئان لا حدود لهما، الكون وغباء الإنسان”، وقول الخليل بن أحمد الفراهيدي: “الرجال أربعة: رجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك غافل فنبهوه. ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذلك جاهل فعلموه. ورجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك عاقل فاتبعوه. ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك أحمق فاحذروه”، لكن سيبولا كان أول من اختصر مفهوم الغباء في خمسة قوانين:
أولها: “دائماً وأبداً يستهين الجميع بعدد الأغبياء المحيطين بهم”.
قد تبدو العبارة غريبة للوهلة الأولى، لكن هناك جحافل من الأغبياء حولك، ومهما حاولت تقدير عددهم فلا شك أنك ستخطئ في إصابة العدد الحقيقي، وذلك لأن:
- يتضح لك أن الأشخاص الذين ظننت يوماً أنهم أذكياء وعقلانيون ما هم إلا أغبياء.
- يوماً بعد يوم وبرتابة متواصلة، يتعرض الفرد لمضايقة من أفراد أغبياء يظهرون فجأة وبشكل غير متوقع في أكثر الأماكن والأوقات غير الملائمة.
ويقول القانون الثاني: “احتمال الغباء لدى شخص ما منفصل عن أي سمات أخرى يتمتع فيها هذا الشخص”.
وهنا يؤكد سيبولا أن الغباء عامل متغير يبقى ثابتاً لدى جميع شرائح الشعب، إذ أننا نجد الأغبياء في كل الشرائح الاجتماعية وكل شريحة تمتلك نسبة ثابتة من الأغبياء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نسبة الأغبياء بين الحائزين على جائزة نوبل تتساوى مع نسبة الأغبياء بين أساتذة الجامعة ومع نسبتهم بين العمال.
القانون الثالث: “الغبي هو الذي يتسبب بخسائر لشخص آخر أو لمجموعة من الأشخاص دون أن يعود عليه الأمر بأي فائدة، لا بل قد يتكبد خسائر فادحة”.
يشير الباحث إلى هذا القانون بأنه القانون الذهبي، ويصنف البشر في أربع فئات أساسية: البؤساء (H) والأذكياء (I) واللصوص (B) والأغبياء (S)، بحيث تتعايش الأصناف الثلاثة الأولى مع الغبي.
توضح الصورة أعلاه مقصد سيبولا، بمعنى أن البائس يفيد الآخرين على حساب نفسه، واللص يفيد نفسه على حساب الآخرين، والذكي يفيد نفسه والآخرين معه، ثم يأتي الغبي الذي يؤذي نفسه ويؤذي الآخرين معه.
ويقول سيبولا: إن ما يجعل “الأغبياء أساساً خطرين ومدمرين هو أن العقلاء يجدون صعوبة بالغة في تخيل سلوكياتهم غير العقلانية وفهمها، فالذكي قد يفهم منطق اللص، إذ تتبع تصرفات اللصوص نمطاً من العقلانية، ولنقل إنها عقلانية قذرة ولكنها لا تزال عقلانية. ويريد اللص زيادة أمواله، وبما أنه لا يتمتع بالذكاء الكافي لاستنباط طرق تمكنه من زيادة أمواله وزيادة أموالك في الوقت ذاته، فسيعمل على زيادة أمواله عبر سرقة أموالك. وهذا أمر سيء، لكنك إن أجلت التفكير واستخدمت عقلك فيمكنك التنبؤ بتصرفاته، ويمكنك أن تتوقع تصرفات اللص ومناوراته القذرة وتطلعاته الشنيعة، وغالباً ما يمكنك بناء حصن منيع أمامه”.
الأمر يختلف مع الغبي، إذ أن القيام بكل ما سبق أمر “مستحيل تماماً كما هو موضح في القانون الأساسي الثالث، فهو مخلوق غبي سيضايقك بدون سبب ولا لفائدة يرجوها، ومن دون خطة أو مخطط وفي كل الأوقات والأمكنة بعيدة الاحتمال، وليس هناك وسيلة عقلانية تمكنك من معرفة متى وكيف ولماذا يهاجمك هذا الكائن الغبي، ومتى واجهت شخصاً غبياً تغدو تحت رحمته كلياً”.
القانون الرابع: “يستهين غير الأغبياء دائماً بالقوة المدمرة للأغبياء. ودائماً ما ينسى غير الأغبياء بصورة خاصة أن التعامل مع الأغبياء أو الارتباط بهم في جميع الأوقات والأماكن وتحت أي ظرف من الظروف سيكون خطأ فادحاً ومكلفاً على الدوام”.
على مر القرون وآلاف السنين، فشل عدد لا يمكن إحصاؤه من الأفراد في وضع هذا القانون في الاعتبار على الدوام، وهو ما تسبب بخسائر بشرية لا تحصى.
وصلنا إلى القانون الخامس والأخير، والذي ينص على: “الغبي أخطر أنواع البشر”.
وبالنتيجة فإن الغبي أخطر علينا من اللص، فسلوك اللص المثالي ما هو سوى تحويل للثروة من شخص لآخر، وقد يكبد الآخرين خسائر فادحة لكنه يجني لنفسه فوائد على الأقل، ولو كان جميع أفراد المجتمع لصوصاً مثاليين سيظل المجتمع راكداً دون حدوث كارثة كبرى، وستكون تصرفات أفراده مجرد انتقالات للثروة من فرد لآخر، وعليه سيبقى المجتمع في حالة استقرار دون تغيير أو تقدم.
لكن عندما يعمل الأغبياء عملهم تمسي القصة مختلفة تماماً، فالغبي يتسبب بخسائر لأشخاص آخرين دون أن يجني مكاسب تكافئ ما خسروه، وبالتالي يتدهور المجتمع ككل.
ووفقاً للقانون الأساسي الثاني، فإن نسبة الأشخاص الأغبياء ثابتة لا تتغير بتغير الوقت أو المكان أو العرق أو الطبقة أو أي متغير اجتماعي أو تاريخي آخر، وسيكون خطأ جسيماً الاعتقاد بأن عدد الأغبياء في مجتمع منحدر أكبر منه في مجتمع متقدم، إذ أن كلا المجتمعين يمتلكان النسبة نفسها من الأغبياء، لكن الفارق بينهما هو أن الأفراد في المجتمع المنحدر يسمحون للأغبياء بأن يصبحوا أكثر نشاطاً، وهناك تغير في التركيبة السكانية لغير الأغبياء وهو ما سيقوي القوة المدمرة لشريحة الأغبياء، ويجعل تراجع المجتمع أمراً مؤكداً.
إذاً فالمسؤولية التي تقع على كاهل الفئات غير الغبية كبيرة وجمة، ويتعين عليها بذل جهود حثيثة للتصدي لأعمال الأغبياء المؤذية درءاً لمخاطرها وحفاظاً على نمو المجتمع.
البعث ميديا || ترجمة وإعداد: علاء العطار