كيف نبني مجتمعاً متماسكاً
استعرض المؤتمر الدولي المعني بالمجتمعات المتماسكة، الذي انعقد في سنغافورة من 19 إلى 21 حزيران عام 2019، الممارسات الجيدة والاستراتيجيات والأساليب الناجعة في بناء مجتمعات متماسكة، مع التأكيد على الحاجة إلى مراعاة السياق، وعليه تم تقديم بعض المبادئ الأساسية.
وشملت تلك المبادئ الحاجة إلى الإلمام بالمسائل الدينية والثقافية، للتغلب على أوجه عدم المساواة والظلم في المجتمع، وتوفير روايات مقنعة وقيادة صالحة على جميع المستويات والحاجة إلى التواصل بين الأديان وأهمية إشراك الشباب والنساء، ولكن ما هو المجتمع المتماسك؟
العوامل الأساسية لتشكيل مجتمع متماسك
يسهل عادة رؤية علّة المجتمع أكثر من تحديد العوامل التي تجعله قوياً ومتماسكاً ومستقراً، وهناك حاجة إلى ثلاثة متطلبات لكل مجتمع يروم التماسك، أولاً، الثقة والاحترام، إذ أننا نحتاج إلى روابط حقيقية بين الناس، ونحتاج إلى رؤية الآخرين كبشر بدلاً من رؤيتهم كمجرد أدوات.
ثانياً، الوحدة في التنوع، حيث أن كل مجتمع لديه تنوع ويجب قبول ذلك واعتناقه، ثالثاً، حيوية الهويات في المجتمع، حتى لا نعتنق التنوع بشكل سطحي أو نتسامح مع جيراننا فحسب، بل أن نبني روابط بإمكانها أن تقاوم توترات الروايات الحصرية والتهديد بالعنف.
وهذه المتطلبات هي أمور بسيطة وعملية، ولكن ينبغي تطويرها بطرق تراعي ثقافة كل مجتمع.
الإلمام بثقافة وأديان المجتمع
إذا كنا لا نعرف جيراننا فقد نجد صعوبة في تقدير عاداتهم، لكن ذلك لا يحتاج إلى دراسة مكثفة، فمجرد التحدث إلى جارك بشأن تقاليده الدينية، أو أسباب عدم وجود تقاليد دينية، يمكن أن يتغلب على سوء الفهم الأساسي، فبإمكان المحادثة أن تثريك بمعلومات جمّة.
الحُفَر
قد تحدث العديد من الأحداث خلال حياة الناس وتلقي بهم في مسارات التطرف والتشدد والاشتباك، وفي ضوء ذلك قدّم كريستيان بيتشوليني، أحد النازيين الجدد السابقين والذي يعمل الآن في إعادة تأهيل الآخرين، عبارة “الحُفَر” التي نالت تقديراً كبيراً لوصف ذلك الأمر.
قد ينتج ذلك عن شعور بعدم المساواة أو الابتعاد عن العمليات الاجتماعية والسياسية أو عدم وجود صلة بالوالدين أو الثروة والامتياز اللذين يعزلاننا عن الآخرين، ومعالجة الروايات الحصرية والتمزقات التي تحطّم المجتمعات تعني معالجة أوجه الظلم وعدم المساواة هذه وغيرها.
الروايات والمشاعر والحجج
قدّم جون ألدرديس، وهو سياسي من إيرلندا الشمالية من مجلس اللوردات، تذكيراً مهماً بأن طريقة شعورنا تحدد كيفية تفكيرنا، فالحفر التي تبني إحساسنا بالإهانة أو العزلة أو أي شيء آخر هي السنانير التي يستخدمها المتطرفون للإيقاع بنا.
يمنح المتطرفون الناس، وخاصة الشباب، إحساساً بالهدف وجماعةً ينتمون إليها ورواية تساعدهم على فهم حياتهم، وعلى هذا النحو، يلزم أن تكون الروايات البديلة قصصاً أفضل.
لا يمكننا ببساطة تقديم حجج باردة وعقلانية أو إخبار الناس بأنهم مخطئون (مهما كان ذلك صحيحاً)، دون أن نسرد قصصاً ونمنحهم إحساساً بالغاية وبالانتماء، يجب أن تكون قصة الاندماج والمجتمعات المتماسكة أفضل من قصة الإقصاء والمجتمعات المتشرذمة.
القيادة
يجب أن لا نتيح مجالاً للديماغوجيين الشعبويين الذين يصوغون الخطاب على أساس من الكراهية والإقصاء وعدم الاحترام، فهذا يسمم الفضاء المشترك.
علاوة على ذلك، يجب أن تكون القيادة على جميع المستويات، فالقائد الشعبي الذي يظهر الاحترام للمرأة أو لجاره له نفس أهمية السياسي من أمثال رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن التي استجابت بشكل جيد في أعقاب الهجمات الإرهابية في كرايست تشيرش.
وبإمكان القيادات من المستوى السياسي إلى المستوى الشعبي أيضاً زيادة الفعالية عندما تعمل جنباً إلى جنب، وهذا يعني أن القيادة تأتي من كل هذه الطبقات.
العلاقات بين الأديان
يشكل المتدينون حوالي 84٪ من سكان العالم، وهي نسبة يتوقع أن تزيد بحلول عام 2050، لذلك، فإن تضمين الدين كجزء من الأنشطة في تحقيق التماسك لهو جزء لا يتجزأ، ولكن في مجتمع متنوع، يجب أن تكون هذه الأنشطة مرتبطة بكل الأديان وأن تشمل أصواتها جميعها، ويمكن عندئذ للأديان أن تعمل سوية بطرق مهمة في الحوار والخدمة المشتركة والمشاريع المجتمعية.
النساء والشباب
تشكل النساء نصف عدد السكان تقريباً، وسيرث جيل الشباب الأجيال الحالية، سبق المؤتمر الدولي المعني بالمجتمعات المتماسكة في الفترة من 18-19 حزيران برنامج متكامل للقادة الشباب، والذي كان المشاركون فيه مندوبين في المؤتمر الرئيسي، ومع ذلك، لا يكفي مجرد تشغيل مشاريع شبابية موازية أو قائمة بذاتها.
يمتلك الشباب شغفاً لتغيير العالم ورغبة في المساعدة ويحتاجون لمن يستمع إليهم، لذلك يجب أن نلقي لهم أذناً صاغية لنتبين حاجاتهم وطموحاتهم، وكثيراً ما يقول المتحدثون في المؤتمر الدولي المعني بالمجتمعات المتماسكة علينا تضمين الشباب، لكن لا يجب أن يكون ذلك مجرد كلمات تدل على حسن النية بدون تنفيذ، أي إجراء التغييرات اللازمة لتضيمن الشباب حقاً وأكثر من مجرد حضور رمزي.
مجدداً، بينما تضم كل لجنة في المؤتمر الدولي المعني بالمجتمعات المتماسكة نساءً، يمكن فعل المزيد، فقد كانت المشاريع الناجحة في الحوار وبناء السلام والتماسك تعمل بشكل أفضل لأنها تضم النساء في كثير من الأحيان، فلا يكفي تضمين المرأة كمتحدثة بصورة رمزية فقط، بل يجب أن يكنَّ هناك كقادة ولاعبات رئيسيات في جميع جوانب العملية، بهدف المساواة بين الجنسين في التمثيل، وهذا شأن الشباب أيضاً.
المضي قدماً
في حين أن العديد من مبادئ المجتمعات المتماسكة بسيطة نسبياً، إلا أن وضعها موضع التنفيذ وممارستها بشكل جيد أمر صعب وشاق، ويجب التغلب على العوائق وملء “الحفر” وإنشاء الروايات وإعادة كتابتها وإخبارها مرات عديدة بطرق مختلفة لمختلف الجماهير.
إلا أن التعلم من أفضل الممارسات العالمية وربط شبكات الممارسين والمفكرين وصانعي السياسات في جميع أنحاء العالم والاستلهام من عمل الآخرين وكلماتهم يعني أن بإمكاننا أن نعمل بشكل أفضل في مجالاتنا.
البعث ميديا || ترجمة: علاء العطار