ترامب.. شخصنة السياسة!
يضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أصابعه في أذنيه من أجل عدم سماع الحقيقة، مثل طفل كصغير، على حد قول الكاتبة الأمريكية جينفر لوبن:
“يواصل ترامب خطاباته وتدخلاته بسخرية وسباب وتوصيفات أبعد كل البعد عن الخطاب السياسي الرسمي المتزن الذي يخضع للبروتوكول وقواعده، انتقادات وصلت بدبلوماسي كـ “السير كيم داروش” إلى الاستقالة بعد ترسيب مذكرة دبلوماسية أرسلها هذا الأخير، والتي اعتبر فيها أن “إدارة ترامب لا تتمتع بالكفاءة”.
انهال ترامب على داروش بالتوصيفات الخارجة عن الاتيكيت السياسي، ناعتا اياه بـ”الغبي والأحمق والمغرور” مع حرمانه من حضور المناسبات الرسمية والضغط عليه من داخل أمريكا ومن بلاده بريطانيا.
داروش آخر دبلوماسي وليس الأخير، وليس الأول طبعا فقد سبق وأن وصف ترامب عمدة لندن صادق خان بالفاشل والغبي، ولم تنج تريزا ماي من انتقاداته الشخصية واصفا طريقتها بخصوص البريكست بالحمقاء.
وللدول، وليس الشخصيات فقط، حصص من شخصنة السياسة في قاموس ترامب، فقد وصف السعودية بـ “البقرة الحلوب” وإفريقيا بـ”الأوكار القذرة” وإيران بـ”الديكتاتورية الفاسدة” والمسكيك بـ”الدولة المستغِلة”!!
حتى المشاهير والأمراء تطاول عليهم ترامب.. فقد وصف مواطنته وزوجة الأمير هاري حفيد ملكة بريطانيا، ميغان ميركل، ولأنها صرحت أنها لم تصوت له في الانتخابات، بأنها “كريهة”!!
“أعداء” ترامب المتخيلين، هم أمريكيون أيضا، والأوصاف نفسها يطلقها يمينا ويسارا، إذ وصف نائب الرئيس جو بايدن “غبي” كا وصف النائب الديمقراطي أوكاسيو كورتيز بـ”النادلة”…
ما يخرج على لسان ترامب وما يدونه على “تويتر” هو ما يسمى “شخصنة السياسية” وهو ما لم يسبقه إليه غيره. ولم يستغل ترامب الثورة التكنولوجية لمحاباة شعبه ولا للتخاطب معه، بل استخدمها كوسيلة لنعت صنّاع قرار ودول ومؤسسات بأبشع الصفات، مستخدما “تويتر” ووسائل اجتماعية أخرى للرد على الانتقادات التي توجه إلى سياسته أو إدارته، بينما الكثير من الزعماء والمسؤولين السياسيين في العالم وجدوها فرصة ثمينة للتقرب من جمهورهم وإيصال أفكارهم بطرق بسيطة!
يقول روجيه جيرارد شوارتزنبرغ الفيلسوف الفرنسي أن السياسة في الغرب سابقا كانت أفكار، أما اليوم فباتت أشخاص أو شخصيات لأن كل قائد يؤدي دورا، كما هو الحال في العروض، لقد أصبحت الدولة الغربية الحديثة “مقاولة فرجوية” يعمل فيها الحاكم على الظهور في حالة استعراضية كـ”نجم” يشخصن السلطة ويجسد كل القرارات السياسية الكبرى على هذا الأساس، مشددا على أن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي لرجل السياسة، يدفع إلى تحول السلطة من طابعها التجريدي أو غير الشخصي نحو شيء مجسد أو “مشخصن”، من خلال دورها كمورد للشعبية السياسية ثم من خلال فعاليتها كقنوات لتسويق القرار العام.
ومن هنا نفهم ما يحصل مع ترامب الذي أدمن “تويتر” للرد السريع المستهتر بكل المعايير الأخلاقية التي تحكم السياسة الخارجية والداخلية وطبيعة السياسة الدولية، في ظل جهله الكبير بأي كتاب للسياسة وحتى التاريخ.
وإذا كانت السياسة الخارجية تتميز بطابعها الرسمي ومؤلفة من سلوكيات الدولة خارجيا وترسم الأهداف لنفسها وفقا لقواعد وسياسيات واضحة بحسب جغرافية الدولة وإمكانياتها ومحورها وتوجهها وطبيعتها، فترامب ضرب كل المواثيق والأعراف عرض الحائط، متمسكا بعاداته على ما يبدو كرجل مال يلتذذ بإذلال موظفيه وشركائه.. ترامب السادي والمريض نفسيا والخطر على نفسه قبل بلاده بشهادة مجموعة كبيرة من أطباء الأعصاب والنفس في الولايات المتحدة يواصل عنجهيته طالما هناك صمت غربي وعربي، موجها سيلا من العبارات التي لا تكشف ما يكمنه السفيه بداخله.
سلوى حفظ الله