ثقافة وفن

“مرايا النهر” لعبد الغني ملوك.. حين الحياة مرآة لنهر العمر!   

رواية مرايا النهر للروائي السوري المعروف عبد الغني ملوك، صاحب السوسن البري، وثلاثية مجامر الروث، و الحب في زمن التحولات، وغيرها. نحن هنا أمام عمل روائي مشغول بعناية فائقة، وبكثير من التعب. رواية فيها اشتغالات عديدة على السرد، وعلى الشخصيات التي تشكّل العامود الفقري، والحامل الأساسي لبنية الرواية. ثمة تيمة سنلحظها وبقوة هي جغرافية المكان في الرواية جغرافية محددة تماماً (حمص – وفي حي الزاوية). إذا كان الروائي العالمي وليم فوكنر. قد اختار لجغرافية أعماله الروائية، جغرافية متخيلة أطلقها خياله الروائي وأسماها (يوكنا باتوفا). بيد أن الروائي عبد الغني الملوك قرر ومنذ البداية اختيار جغرافية محددة لروايته الجميلة (مرايا النهر). سنلاحظ منذ البداية أن العنوان هنا هو ليس بالمعقد ولا بالإشكالي، لكنه في ذات الوقت غير صريح وغير واضح، وإن كان ينحاز إلى رومانسية تعلن عن شفافية مبدعها، كدال على مدلول سيفتح سردابه ودهليزه، ليروي لنا رواية شيقة تقرأ بكثير من الحب.

منذ البداية اكتشفت أنني أمام عمل روائي يختلف عن باقي أعمال الملوك الروائية والقصصية. بكثير من التشظي والانزياح اللغوي المكثف المنحاز لصالح السرد الروائي، هنا نحن أمام عمل روائي حداثوي في تشظيه لقصص تتناسل من عباءة النص الروائي الأساس. قصة تنسل من الأخرى، تتوالى الحكايا.. حكاية تليها حكاية، بلغة جذلة أنيقة تحمل عبق السهل الممتنع.

وإذا كانت الرواية الحديثة تتجه لقارئ نخبوي، وناقد متكئ على نظريات غربية مستعارة، مما يخلق حالة جفاء بين القارئ وبين النص الروائي، وبون شاسع بين القارئ وبين الروائي.

في رواية مرايا النهر للروائي عبد الغني ملوك سيكون الأمر مختلف، هي رواية أقرب للواقع، بل هي ابنة الواقع، وأقرب إلى أكبر عدد من شرائح المجتمع السوري والعربي.

رواية مرايا النهر هي مجموعة من عشرين قصة حازت اسم رواية لعدة أسباب منها أن الروائي محامي يقص علينا وبطريقة السرد الروائي والقصصي ما مرعليه من حكايات وقصص منذ صباه مرورا بشبابه، إلى تلك القصص التي مرت عليه في حياته المهنية كمحامي أديب.. تترابط جميعها من خلال تسلسل درامي للأحداث يمنحها “هارموني” متناسق وعذب.

وبالعودة إلى جغرافية الرواية نحن في مدينة (حمص، وتحديداً في حي الزاوية) من هذا الحي تبدأ الرواية بغزل حكاياتها على نول ذكريات وقصص وحكايا. ولأنني قرأت معظم أعمال الروائي عبد الغني ملوك، لفتني مسألة هامة هي اختياره لأسماء أبطال رواياته وشخصيات قصصه بكثير من التفرد وتحميلها مداليلها وأبعادها كفعل يتدخل في بناء السرد وفي بنية النص المسرود. في الرواية نحن أمام أسماء تحمل عنونات القصص ضمن الرواية: (عنايات العطاس) “عنايات ابنة جارتنا، كنا نسكن حي الزاوية بحمص، بيوت عربية مسورة بجدران عالية، منفتحة من الداخل على حديقة في صحن الدار” (ص7)… عنايات مهندسة تتقاعد في الستين من عمرها، أشرفت على تربية إخوتها وعلى تعليمهم، وعانت الأمرين في ذلك، حين عملت في معمل للصابون والتغذية لساعات إضافية. أخيراً ظلت وحيدة منسية، وكادت العزلة تقتلها، لولا بارقة الأمل الوحيدة والشمعة الوحيدة العاطفية، عند عبد المنعم، التي عملت في مؤسسته عدة سنوات، لتكون النهاية المأسوية بالنسبة لها الفراق الذي لم تتوقعه. من هنا تتوالد قصص وحكايات الرواية (مرايا النهر) القصة الثانية الموسومة بـ(عادل العطاس) “هو أخو عنايات كان جاري وزميلي في الدراسة، كان يحب الصيد وعنده بندقية” (ص 17) حين يسرق عادل نقود من جيب أبيه، فتذهب الأم إلى المدرسة وتروي للطلبة، حادثة السرقة. سيكون المشهد هنا مؤلم حين البندقية ذاتها تكون أداة لموت عادل، في حين أن الأم تموت بكثير من الهدوء بعد عامين على موت عادل… نحن أمام مآسي عائلة تمثل مأساة شريحة من المجتمع السوري.

يأخذ الروائي عبد الغني ملوك. في نصوصه هنا ضمير المتكلم في بنية السرد الروائي. وهذا مايجعل النص الروائي أكثر قرباً وحميميةً لدى القارئ. وهو تكنيك حديث، تلجأ إليه الرواية الحديثة، من حيث الاشتغال على السرد واللجوء لضمير المتكلم، ومن حيث بنية السرد الروائي واشتغالاته بكل حالاته.

رواية “مرايا النهر” – عبد الغني ملوك – دار الينابيع دمشق -230 صفحة – دار الينابيع – دمشق – 2018-

البعث ميديا || أحمد عساف