“عقدة” أمريكية متجددة!
لم يعلم صاحب “الحلم”، مارتن لوثر كينغ، الذي اعتقد يوماً، أنه قضى على العنصرية في بلاده، أن حلمه كان وهماً صعب المنال، ولم تكن المرأة “السوداء” صاحبة “لا” التاريخية، روزا باركس، التي ناضلت لحرية “السود” يوماً، قادرة على إلغاء عقدة متأصلة ببنية المجتمع الأمريكي..
يثبت ذلك، وفي كل مرة، الخطاب الرئاسي الأمريكي المتمثل بدونالد ترامب، الذي لا يكف عن استعراض قدرته الفائقة على إظهار عنصريته المعلنة والصادمة لكل من يعارضه أو يخالفه الرأي، أو حتى يختلف عنه باللون والعرق والأصول والدين، فلغة الاستعلاء والكراهية التي لا يتورع عن التحدث بها في كل خطاباته وتغريداته لم ترض النوازع الكامنة لديه، بل تجاوزها ليوغل أكثر في استخدام تعابير ومفردات تجنح إلى تدنّ واضح في الخطاب وتنطوي على الكثير من الاحتقار للآخر، ليعلن تفوقه العنصري في معجم يخصه وحده، مليء بما يُخجل ويندى له الجبين..
العنصرية “الترامبية” لم تقف عند تطاوله على أربع عضوات في الكونغرس من أصول عربية وإفريقية وإسلامية، واتهامهن بمعاداة أمريكا، ومطالبتهن بالعودة إلى بلدانهن الأصلية، وخاصة النائبة الأمريكية من أصول صومالية إلهان عمر التي حاول وفي أكثر من خطاب له أن يكيل لها شتى أنواع الإهانة والاستفزاز، بل إنه تمادى في ذلك مؤخراً ليبدأ هجوماً عنصرياً جديداً ضد نائب أمريكي ديمقراطي بارز من أصل أفريقي من بالتيمور، كما وجه انتقادات حادة إلى ناشط أسود في الحقوق المدنية، ما أدى إلى زيادة التوتر بالبلاد، ودفع بالمئات من الأمريكيين الأفارقة البارزين الذين خدموا في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لتوجيه رسالة للأمريكيين والعالم ترفض ما أسموها “لغة الكراهية والعنصرية التي بدأت تتفشى في الولايات المتحدة”.
وسط هذا المنحى الخطير في الخطاب الرئاسي الأمريكي يمعن ترامب بالعزف على ورقة العرق في مساعيه للفوز بولاية رئاسية ثانية، مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، حيث يبدو مصمماً أكثر من أي وقت مضى على استقطاب قاعدته الانتخابية من البيض في أكثريتها، بعد أن أصبحت رهانه الوحيد لكسب الانتخابات.
التمييز العنصري والعرقي ليس حدثاً طارئاً في الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من مرور قرون عديدة على الحقب التي انتهكت فيها الحقوق وسادت فيها العبودية والتمييز العنصري بين “البيض” و”السود” في أمريكا، ورغم الحركات المدنية التي ناضلت لإنهاء التمييز والفصل العنصري، إلا أن العنصرية فيها تظل ظاهرة تاريخية معقدة تأبى أن تنتهي، وعلى الرغم من أن وصول باراك أوباما للرئاسة كأول رئيس “أسود” للولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين متتاليتين كان يوحي بدخول أمريكا في “عصر ما بعد العنصريّة”، إلا أن ما يجري مؤخراً في المشهد السياسي، وحتى المجتمعي، يظهر العنصرية مرضاً متجذراً في بنية المجتمع الأمريكي.
ليأتي الخطاب الرئاسي الأمريكي اليوم، متمثلاً بترامب، ويؤجج نار العنصرية من جديد مجازفاً بإشعال فتيل التوترات العرقية والإيديولوجية من خلال تشجيع الانقسامات في البلاد، وتعزيز هذا التوجه وتكريسه وسط صمت مطبق وتواطؤ خفي من حزبه الجمهوري الذي يشكل الأغلبية في مجلس الشيوخ، في مشهد ينبئ، بشكل أو بآخر، بدخول الولايات المتحدة في أزمة قد لا تحمد عقباها.
هديل فيزو