قضية لواء اسكندرون…الوثائق التاريخية والجغرافية تثبت هوية اللواء العربية السورية
تؤكد الوثائق التاريخية التي دونت أحداث منطقة بلاد الشام وجغرافية الأرض السورية أن لواء اسكندرون السليب جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية لم يتجزأ عنها أبدا قبل مجيء الاستعمار إلى سورية ممثلا بالاحتلالين العثماني والفرنسي وأن سلخه وضمه إلى تركيا هو اعتداء على حقوق الشعب السوري وسلب لأراضيه وعمل مخالف للقوانين والشرائع الدولية.
وقال المؤرخ الدكتور محمود السيد خبير الآثار وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف أن وثائق التاريخ التي دونت ماضي سورية عبر مختلف العصور تؤكد أن حدود سورية الجغرافية الطبيعية الشمالية تتمثل بجبال طوروس وأنه لا يمكن فصل لواء اسكندرون عن الوطن الأم سورية وأن الحدود الحالية هي حدود مصطنعة من قبل المستعمر.
الموقع والجغرافيا..
ويتمتع لواء اسكندرون الواقع شمال غرب بلاد الشام والمطل على البحر المتوسط والممتد على مساحة 4806 كم مربع بموقع جغرافي واستراتيجي وتاريخي مهم حسب الدكتور السيد حيث يرتبط بممر بيلان/بوابة سورية منذ ظهور مفهوم المدنية والمعبر الوحيد بين أنطاكية واسكندرون/ ويشمل اللواء منطقة عميقة واسعة على الحدود السورية التركية ويتصل من الشرق والجنوب الشرقي بمحافظتي إدلب وحلب ومن الجنوب بمدينة اللاذقية ومن الشمال بمحافظة غازي عنتاب التركية ويطل اللواء على خليجي اسكندرون والسويدية ويتوسط شريطه الساحلي رأس الخنزير وتقع معظم سواحل اللواء على خليج الاسكندرون الواسع والعميق والبعيد عن التيارات البحرية والمواجهة لسواحل قبرص وتتميز تربته بأنها متنوعة لحقية بركانية مائلة بين البنية والحمراء سمحت بزراعة القطن والحبوب التبغ والمشمش والتفاح والبرتقال والزيتون والبقول واللواء غني جدا بمعادن الحديد والكروم والفضة والأنتيمون ومعدن الرصاص الفضي وكميات من الذهب والزجاج والغاز والنفط الخام عالي الجودة وقليل من الفحم الحجري.
اللواء عربي سوري تاريخياً..
وبين خبير الآثار السوري أن اللقى الأثرية المكتشفة في مختلف مواقع لواء اسكندرون تؤرخ بداية الاستيطان البشري فيه منذ عصر البرونز القديم حيث كان جزءا من الإمبراطورية القديمة وأصبح جزءا خاضعا لسيطرة البابليين في عام 1800 ق.م وفي القرن السابع عشر قبل الميلاد استولى الحثيون في هضبة الأناضول على لواء اسكندرون وفي عام 1490 ق.م انتزع الفراعنة المصريون اللواء من أيدي الحثيين وحكم أيضا من قبل الرومان والفرس.
وأضاف الخبير السيد: قبيل الفتح الإسلامي لبلاد الشام أقامت في المنطقة الممتدة من شمال حلب حتى جبال طوروس القبائل العربية “تنوخ وبهراء وبني كلاب” ويعود أصل العرب المسيحيين المقيمين في اللواء إلى قبيلة الغساسنة العربية ما يؤكد عروبة اللواء وبعد الفتح الإسلامي أقامت قبيلة بني سليم العربية في منطقة أورفة وخضع اللواء لحكم الدولة الإسلامية الأموية والعباسية وفي عام 877 م خضع لحكم الطولونيين ثم الحمدانيين وأثناء حروب فرنجة”الصليبيين” على المشرق العربي خضع لسيطرة البيزنطيين ثم استرده المماليك عام 1268 م.
وتابع السيد: في عام 1516 م ضم السلطان العثماني سليم الأول اللواء إلى الحكم العثماني وألحقه بولاية حلب متخذا من سلسلة جبال طوروس حدا فاصلا بين الأناضول وبلاد الشام وليشكل اللواء مرفأ حلب على البحر فميناء اسكندرون هو المرفأ الطبيعي الوحيد لولاية حلب والطريق الطبيعية للتجارة مع أوروبا وتصدير البضائع واستيرادها وهذا ما أثار مطامع الدول الأوروبية وخاصة إنكلترا وألمانيا وإيطاليا، كما كان لواء اسكندرون مهما للقوات الإنكليزية لأن إنزال حملة عسكرية فيه يضمن قطع طرق المواصلات العثمانية من وسطها وخلال التقسيمات الإدارية العثمانية لسورية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر كان لواء اسكندرون الذي ضم ثلاثة أقضية هي “بيلان وأنطاكية وإسكندرون” تابعا لولاية حلب وفي عام 1764 رسم الفرنسيون خريطة بلاد الشام وكان لواء اسكندرون ضمن الخريطة تابعا لسورية وفي عام 1911 كان العنصر العربي يمثل السواد الأعظم من أهل الاسكندرون.
وأشار السيد إلى أن مراسلات الشريف حسين مع مكماهون عام 1915 بينت تبعية المناطق الواقعة جنوب جبال طوروس إلى المملكة العربية الموعودة وأن حدودها الشمالية تمتد حتى قاعدة جبال طوروس شمالا وتشمل كامل مناطق لواء اسكندرون الواقعة إلى الجنوب منه وعندما اعتمدت اتفاقية سايكس بيكو في الـ 16 من أيار عام 1916 م وقع كامل الساحل السوري الشمالي “من الناقورة إلى اسكندرون” ضمن مناطق الإدارة الفرنسية بما في ذلك أراضي اللواء وهي المناطق التي قضى الاتفاق بانفصالها عن تركيا وضمها إلى المملكة العربية بعد الاستقلال ونصت الاتفاقية في المادة الخامسة أن اسكندرون ميناء حر لتجارة الإمبراطورية البريطانية.
وقال السيد في العاشر من حزيران عام 1916 قامت الثورة العربية وعندما تمكن إبراهيم هنانو من تشكيل حكومة وجيش في شمال سورية وكان مركزها مدينة كفر تخاريم ووضع نفسه تحت تصرف الشريف ناصر قائد القوة العربية تمكن الجيش السوري من تحرير حارم وأنطاكية فيما فشل الجيش التركي المرابط في بيلان من استعادة أنطاكية واسكندرون وفي الـ 30 من أيلول عام 1918م عقد اتفاق بين فرنسا وبريطانيا وقع في لندن ونص على حماية المصالح الفرنسية في المنطقة بموجب اتفاقية سايكس بيكو وتم وضع جبل لبنان والمنطقة الساحلية الممتدة من عكا حتى اسكندرون تحت الإدارة الفرنسية ووضعت ولاية سورية والقسم الجنوبي من ولاية حلب تحت إدارة الحكومة العربية وظل اللواء خاضعا للاحتلال العثماني حتى انسحاب تركيا نهائيا من سورية في الـ 12 من تشرين الثاني عام 1918.
وأضاف السيد: منذ دخول العثمانيين إلى سورية وحتى نهاية حكمهم كانت منطقة اللواء جزءا من سورية وبعد انهيار الدولة العثمانية وانتهاء الحرب العالمية الأولى بهزيمة تركيا واستسلامها للحلفاء بموجب اتفاقية هدنة مودروس عام 1918 م وصدور مراسيم التقسيم حظي اللواء بحكم ذاتي يتبع للحكومة السورية وأصبح اللواء جزءا من المملكة العربية السورية التي قامت عقب نهاية الحرب العالمية الأولى وسقطت بيد الاحتلال الفرنسي بعد معركة ميسلون وخضع اللواء لحكم الانتداب الفرنسي لسورية.
وتابع مع بدء الانتداب الفرنسي على سورية تبع اللواء إلى ولاية حلب وكانت معاهدة سايكس بيكو قد اعتبرت لواء اسكندرون سوريا ووضعته داخل المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسي وهذا يؤكد أن اللواء جزء لا يتجزأ من سورية الحالية.
وقال السيد في الـ 21 من تشرين الثاني عام 1918 أنشأ المحتل الفرنسي سنجق اسكندرون وذلك بضم أقضية اسكندرون وأنطاكية وحارم وبيلان إلى القسم الغربي للمناطق المحتلة ووضعها تحت سيطرة حاكم اسكندرون الفرنسي وفي أواخر تشرين الثاني عام 1918 أعلن قيام الحكومة العربية رسميا في أنطاكية واستولت فرنسا على ميناء اسكندرون وأنزلت قواتها في المدينة وفي الـ 7 من كانون الأول عام 1918 تحركت القوات الفرنسية لاحتلال أنطاكية واصطدمت مع قوات التحرير العربية ثم أصدر الجنرال البريطاني أوامره بانسحاب كل القوات العربية من أنطاكية وفي شباط عام 1919 سلمت بريطانيا إدارة الساحل السوري كيليكية رسميا للجنرال غورو المندوب السامي الفرنسي وفي الـ 15 من أيلول عام 1919 قسم الفرنسيون المنطقة الغربية إلى ثلاث حكومات مراكزها بيروت واللاذقية وأنطاكية وضموا أنطاكية وبيلان وحارم وكونوا منها لواء اسكندرون ومنحوه الحكم الذاتي تحت إشراف قائد ومندوب فرنسي وفي عام 1920 اعترفت الدولة العثمانية المنهارة بموجب معاهدة سيفر في المادة 27 بعروبة اسكندرون وكيليكية “أضنة- مرسين” وارتباطهما بالبلاد العربية.
وتابع السيد بتولي البطل إبراهيم هنانو قيادة الثورة في شمال سورية أصبحت الثورة ضد المحتل الفرنسي في منطقة اسكندرون أكثر شمولا وتنظيما ومع مطلع عام 1920 تصاعدت الأعمال الثورية في أنطاكية وفي الـ4 من نيسان عام 1920 وضعت سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وقام الفرنسيون بتاريخ الـ 31 من آب عام 1920 بإلغاء المنطقة الغربية وتقسيم سورية إلى أربع دويلات (دمشق/ حلب/ الساحل/ جبل السويداء) وألحقوا لواء اسكندرون المستقل في الأول من أيلول عام 1920 بحكومة حلب مع احتفاظه بالاستقلال الإداري وبعدها احتلوا كفر تخاريم، ولمواجهة التطورات الجديدة وقع الثوار اتفاقية مع الأتراك في الـ7 من أيلول عام 1920 نصت على توحيد الأعمال الحربية ضد العدو المشترك على أن تنسب النشاطات الحربية إلى الحكومة السورية وفي العام نفسه أعلن هنانو الثورة رسميا في الشمال واتصل بثورة الشيخ صالح العلي في المنطقة الساحلية وسيطر هنانو على منطقة جسر الشغور من أجل تأمين الاتصال بين ثورة الشمال وثورة الساحل هذه التطورات دفعت فرنسا بالتفكير في التخلي عن كيليكية للأتراك عام 1921 م كمقدمة للصلح وتعهد تركيا بعدم تقديم أي مساعدة للثوار السوريين وهذا ما مكن فرنسا من السيطرة عن طريق اسكندرون وأنطاكية على حارم وكفر تخاريم وجسر الشغور وإدلب.
وأشار المؤرخ السيد إلى أن الأطماع التركية في الأراضي السورية عامة ولواء اسكندرون خاصة لم تنته بنهاية الإمبراطورية العثمانية ولتحقيق تلك الأطماع عمل الأتراك وبتواطوء مع المستعمر البريطاني والفرنسي على اقتطاع الأراضي السورية منذ عام 1920 بالاتفاق مع الانتداب الفرنسي حيث بدأت بالشريط الشمالي الممتد من ديار بكر على نهر دجلة شرقاً مروراً بالسفوح الجنوبية لطوروس إلى الغرب *انتهاءً بمدينة أضنة وأورفة وفي 1921 ضمت شريطاً آخر من الأراضي إلى الجنوب امتد من نهر دجلة شرقاً مروراً بمدن نصيبين وماردين وحرّان وعينتاب وكلّس انتهاءً بسهول كيليكية على الساحل الشمالي حيث مدن طرسوس ومرسين.
محاولات سلخ اللواء ورسم حدود مصطنعة قال السيد: حاول الأتراك بالتعاون مع المستعمر البريطاني والفرنسي تطبيق سياسة التتريك في اللواء منذ زمن السلطان العثماني سليم الأول وادعى الأتراك بالميثاق الوطني التركي الذي وضعه مصطفى كمال ملكية جميع الأراضي الواقعة شمال الخط المستقيم بين جنوب الموصل وميناء اسكندرون وهذا ما يؤكد أن حلب وبقية أجزاء لواء اسكندرون الواقعة جنوب هذا الخط كانت مستثناة من الأراضي التي شملها الميثاق.
وأضاف السيد وقعت تركيا وفرنسا في ال 9 من آذار عام 1921 اتفاقية وضعت حدا للنزاع المسلح في كيليكية ونصت على تشكيل إدارة خاصة في لواء اسكندرون واستخدام اللغة التركية إلى جانب اللغة العربية والفرنسية ورسم حدود سورية وتركيا من نقطة يجري تحديدها على خليج اسكندرون مباشرة جنوب
باياس وعلى بعد 15 ميلا شمال اسكندرون وتمر في ميدان إكبس ومنها باتجاه الجنوب الشرقي نحو كلس ثم شرقا على طول الخط الحديدي حتى نصبين.
وتابع المؤرخ السيد.. إنه لتأمين المواصلات بين حلب واسكندرون منح الاتفاق الفرنسيين حق استثمار الخط الحديدي من باياس وميدان إكبس وفي أواخر أيار عام 1921 طالب الأتراك بضم حلب واسكندرون وعملوا عل إشعال الجبهات مع فرنسا وهذا ما دفع فرنسا إلى عقد اتفاقية فرانكلين بويون أو اتفاقية أنقرة الموقعة في الـ 20 من تشرين الأول عام 1921 والتي أنهت الحرب التركية الفرنسية وأدت إلى تنازل فرنسا رسميا عن كيليكية للأتراك ووضع نظام إداري خاص بمنطقة اسكندرون منح امتيازات للعنصر التركي وفرض اللغة التركية كلغة رسمية وتم بموجبها تعديل خط الحدود بين سورية الواقعة تحت حكم الاحتلال الفرنسي وتركيا والذي أقر في معاهدة سيفر التي أنهت الحرب العالمية الأولى.
وأضاف تم فصل هضبة طوروس الجنوبية والتي تمثل النهاية الجغرافية والطبيعية لبلاد الشام ورسم خط الحدود الجديد ليبدأ من نقطة واقعة إلى الجنوب مباشرة من باياس على خليج اسكندرون ليصل إلى محطة القطار في كلس ويستمر عند الحد الجنوبي لخط سكة حديد إسطنبول/بغداد وبذلك تكون المناطق الشمالية من سورية كيليكية والجزيرة العليا “أضنة/عثمانية/مرعش/عينتاب/ كلس/أورفه/ماردين/نصيبين/جزيرة ابن عمر” قد خضعت للاحتلال التركي وتم بذلك عزل مدينة حلب عن معظم المناطق الشمالية التي كانت واقعة ضمن ولاية حلب وولاية أضنة وتخلت فرنسا عن حدود سورية الطبيعية ممثلة بجبال طوروس ووضعت بين سورية وتركيا حدودا وهمية غير طبيعية طويلة وهشة وصلت إلى نحو 700 كيلو متر مربع بهدف إبقاء مصادر المياه ضمن الأراضي التركية وبهدف إتاحة المجال مستقبلا لتركيا للتدخل في الشؤون الداخلية السورية واجتياز الحدود وهذا ما حدث وما زال يحدث بشكل واضح خلال الأزمة في سورية الراهنة وبلغت مساحة الأراضي السورية التي تم ضمها للاحتلال التركي بموجب اتفاقية أنقرة الأولى نحو 18 ألف كيلو متر مربع كما تضمنت الاتفاقية ملحقا سريا نص على تخلي الانتداب الفرنسي عن كامل اللواء لتركيا في موعد يحدد مستقبلا.
وقال المؤرخ السيد إن اتفاقية أنقرة الأولى غير شرعية ومخالفة للقانون الدولي فالمادة الرابعة من صك الانتداب تنص على مسؤولية الانتداب “الفرنسي” عن عدم التنازل أو تأجير أو ضم أي جزء من الأراضي السورية لقوة أجنبية.. كما تنص المادة 18 على أن شروط الانتداب لا تعدل إلا بموافقة مجلس عصبة الأم.
ولفت السيد إلى أنه في ال 24 من تموز عام 1922 أقر مجلس عصبة الأمم المنعقد في لندن الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان وفي الـ 28 من تموز عام 1922 أنشأت فرنسا اتحادا بين حلب ودمشق والساحل وبقي لواء اسكندرون ضمن الاتحاد جزءاً من دولة حلب بموجب قرار الانتداب الفرنسي الصادر في الـ 12 من أيلول عام 1922 وفي ال 4 من آذار عام 1923 أصدرت فرنسا قرارا يقضي بأن تطبق في لواء اسكندرونة جميع القوانين المرعية في دولة حلب وبموجب اتفاقية لوزان عام 1923 سلمت فرنسا مناطق سورية الشمالية (الرها/ عين تاب/ ماردين) إلى تركيا بينما بقي لواء اسكندرون وأهم مدنه أنطاكية واسكندرون والريحانية وأرسوز ضمن الأراضي السورية وبذلك تكون معاهدة لوزان قد أضفت الصفة الدولية على الحدود التركية السورية وأكدت على عدم وجود أي سيادة أو حقوق سياسية أو ملكية تركية للواء اسكندرون.
وقال في الـ 5 من كانون الأول عام 1924 أحلت فرنسا الاتحاد السوري وأنشأت وحدة بين دولة دمشق ودولة حلب وأعلنت عن فصل لواء اسكندرون بكامل أقضيته عن دولة حلب وربطه مباشرة برئيس دولة سورية مع احتفاظه بنظام إداري ومالي خاص وجعل اللغة التركية لغة رسمية كالعربية والفرنسية.
وتابع السيد: في كانون الثاني عام 1925 أصدرت فرنسا قرارا يؤيد نظام اللواء الخاص في الإدارة المالية وجعل اللغتين العربية والتركية رسميتين ثم شجعت فرنسا الحركة الانفصالية في لواء اسكندرون وتم في الـ 22 من شباط عام 1926 إعلان استقلال اللواء وانفصاله عن حكومة دمشق بموافقة سلطات الانتداب الفرنسي ثم أعيد ربطه بالدولة السورية في عهد الرئيس أحمد نامي وفي عام 1929 ازداد نشاط الحركة الوطنية العربية في لواء اسكندرون بقيادة زكي الأرسوزي وفي الـ 4 من أيار عام 1930 أقرت سلطات الانتداب الفرنسي بأن لواء اسكندرون جزء من الدولة السورية ويتمتع بنظامه الإداري الخاص به.
وأضاف السيد: إنه في عام 1934بدأت فرنسا بتطوير ميناء طرابلس بدلا من تطوير ميناء اسكندرون ما يدل على احتمال استيلاء الأتراك على لواء اسكندرون مستقبلا وفي عام 1935 ظهرت بشكل واضح أطماع تركيا بلواء اسكندرون من خلال خطاب مصطفى كمال أتاتورك الذي ادعى فيه وبشكل مخالف للقوانين والأعراف الدولية والحقائق التاريخية والجغرافية في المنطقة أن اسكندرون وأنطاكية أراض تركية.
وقال عندما وقعت معاهدة الاستقلال بين سورية وفرنسا في الـ 9 من أيلول عام 1936 كان اللواء مشمولا ضمن مناطق الدولة السورية، وبعد انضمام سورية إلى عصبة الأمم عام 1936 وشمول أراضيها لواء اسكندرون بادرت تركيا برفض إبقاء اللواء ضمن الدولة السورية وطالبت بتحويله إلى دولة مستقلة تمهيدا لضمه إليها لاحقا ورفعت تركيا القضية إلى عصبة الأمم بالتعاون مع فرنسا وبشكل مخالف لصك الانتداب وجرت محادثات سرية تركية/فرنسية اتفق خلالها على فصل لواء اسكندرون وجعله منطقة مستقلة منزوعة السلاح وفي الـ 29 من أيار 1937 نجح الاحتلال الفرنسي في استصدار قرار من عصبة الأمم مخالف للمبادئ والأسس والقوانين الدولية يقضي بفصل لواء إسكندرون عن سورية وإعطائه حكما ذاتيا وربطه شكليا بالحكومة السورية في دمشق وتعيين حاكم فرنسي عليه يدير شؤونه.
وأضاف في الـ 15 من تموز 1938 مهدت فرنسا لاحتلال القوات التركية عسكريا مدن اللواء وتراجع الجيش الفرنسي إلى أنطاكية بشكل مخالف لصك الانتداب واجتاز المحتل التركي حدود ما كان يعرف دوليا بسنجق اسكندرون المستقل من نقطتين حدوديتين هما مدينة باياس التركية الواقعة على ساحل خليج اسكندرون مباشرة وعلى بعد عشرين كيلو مترا من ميناء اسكندرون ومنها دخل مدينة اسكندرون واحتلها ثم احتل مدينة ارسوز جنوب غرب اسكندرون وبذلك احتل الأتراك السهول الساحلية المحصورة بين جبال الأمانوس “اللكام” وسواحل خليج اسكندرون الجنوبي.
وتابع السيد: ودخل قسم آخر من القوات العسكرية التركية من نقطة أق تبه الحدودية شرق سلسلة جبال الأمانوس وشمال سهول العمق ثم احتل قرقخان وبيلان وأنطاكية والأورود والقصير والسويدية وجبل موسى ومناطق أخرى عديدة ثم أعلن المحتل التركي في أيلول عام 1938 عن قيام اقليم هتاي التركي في لواء اسكندرون وبدأ مع هذا الإعلان المشؤوم مرحلة تتريك كاملة فتم فرض اللغة التركية وإلغاء التعليم باللغة العربية واعتماد الليرة التركية كعملة رسمية وفي 1939 نظم الفرنسيون استفتاء في الإقليم لضم اللواء إلى تركيا قاطعه السكان العرب وكان هدف فرنسا من ذلك منع قيام مملكة عربية موحدة في المستقبل وكسب تأييد الأتراك بهدف إقامة تحالف عسكري فرنسي/ انكليزي/تركي أي ضمان دخول تركيا إلى صف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.. وعمت المظاهرات الغاضبة جميع أراضي الجمهورية العربية السورية وأطاحت بحكومة جميل مردم وكانت سببا مباشرا لاستقالة الرئيس هاشم الأتاسي.
وقال المؤرخ السيد إن الأتراك استغلوا اندلاع أحداث الحرب العالمية الثانية وسيطرتهم على المضائق بموجب معاهدة مونترو الموقعة في الـ 20 من تموز 1939 وتفكك وانهيار منظمة عصبة الأمم وأعلنوا رسميا في الأول من أيلول عام 1939 ضم اللواء إلى تركيا بمؤامرة فرنسية/بريطانية وفي خطوة لم تعترف بها عصبة الأمم ولا خليفتها منظمة الأمم المتحدة وبعد ضم اللواء إلى تركيا أضيف إليه قضاءان هما دورتيل والخاصة.
وخلص المؤرخ السيد إلى أن الفرنسيين اتبعوا سياسة انفصالية وإقليمية في لواء اسكندرون منذ بداية الانتداب ولم يكن اللواء ضمن حدود الجمهورية التركية أبداً في كل الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي سبقت تاريخ سلخ اللواء عن الوطن الأم سورية، فقضية لواء اسكندرون لم تكن ضمن الميثاق التركي القومي على الإطلاق وانحصر في البدء اهتمام الأتراك باللواء من زاوية الأمن الوقائي لكن سلطات الانتداب الفرنسي هي التي شجعت تركيا على اغتصاب لواء اسكندرون لمنع قيام أي امبراطورية عربية موحدة في المستقبل ولن يستكين الشعب السوري عن المطالبة بحقه باللواء بكل الطرق والوسائل التي شرعتها القوانين والأنظمة الدولية ومسألة إعادة اللواء إلى حضن الوطن سورية حتمية مهما طال الزمن ويدركها المحتل الذي سلخ لواء اسكندرون بالقوة العسكرية بطريقة غير شرعية ومخالفة للقوانين الدولية.