نحن المحور الذي يمنع الحرب
يستطيع القارئ لخطاب سماحة السيد حسن نصر الله الأخير أن يستشفّ أنه يركّز بشكل كبير على الدور الذي يؤدّيه محور المقاومة في المنطقة والعالم، فبعد أن ضخّ جرعة من الخوف والقلق في نفوس الصهاينة، الذين شعروا مؤقتاً أنهم أصحاب المبادرة فيما يحدث في المنطقة، تعمّد أن يعيدهم إلى المربّع الأول بتأكيده أن لبنان الذي يحاول بنيامين نتنياهو بين الفينة والأخرى أن يجعله متنفساً لتصريف ما يعتقد أنه فائض قوّة لديه، لم يعُد كما كان قبل انتصار تموز 2006، مقدّماً معلومات تؤكد أن هذا الكيان استجدى إيقاف حرب تموز لأن استمرارها كان سيؤدّي إلى كارثة كبرى عليه، ومن هنا لابدّ من رشق الرؤوس الساخنة في “إسرائيل” بالماء البارد الذي تكفل سيّد المقاومة به.
السيد حسن أكد أن ما يمنع الحرب على لبنان هو معادلة الرّدع التي أرستها ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وأن مجرّد الحديث عن شنّ عدوان جديد على لبنان هو من الأحلام البعيدة المنال، لأن الهزيمة الإسرائيلية في أيّ حرب جديدة سيتم بثّها على الهواء مباشرة، وسيشاهد العالم أجمع آليات العدو وهي تحترق، والعدو يعلم جيّداً أن هذا الكلام ليس فقاعة إعلامية وإنما هو شيء لمسه على الأرض في عدوان تموز 2006.
ولكن الرسالة الأساسية التي أراد سماحة السيد حسن إيصالها للعالم أجمع نيابة عن المحور الذي يتحدّث باسمه، هي أن محور المقاومة من إيران إلى العراق فسورية فلبنان وفلسطين وصولاً إلى اليمن، بات من القوة والقدرة بحيث يستطيع التحكم في المعادلات الدولية، بل بات يتدخّل في رسم هذه السياسات، وذلك أنه إذا كانت روسيا والصين تعملان على منع نشوب الحروب في العالم من خلال دورهما الحاسم في مجلس الأمن وقوّتهما العسكرية والسياسية والاقتصادية، فإن محور المقاومة أصبح تلقائياً جزءاً من هذا المحور الكبير الذي يسعى إلى لجم القوة الأمريكية في العالم، ومنعها من الهيمنة عليه، وذلك عبر فائض القوة الذي امتلكه هذا المحور من خلال الحروب الطويلة التي شنّت عليه في المنطقة بإدارة أمريكية غربية واضحة، حيث ثبت ذلك من خلال انتصار الجيش السوري في الحرب الكونية التي شنّتها واشنطن ودول معسكر الحرب عليه عبر العصابات التكفيرية، كما تمكّن العراق بجيشه ومقاومته من القضاء على الهيكل الأساسي لـ”داعش” الإرهابي في العراق والمنطقة، وتمكّنت إيران من الصمود في وجه جميع التهديدات التي تعرّضت لها وانتصرت عليها، في الوقت الذي تغلّب فيه اليمن على حرب الإبادة التي تشنّ عليه منذ نحو خمس سنوات بأدوات صهيونية، وجعل دول العدوان تبحث عن مخرج من المستنقع الذي دخلت إليه، ما يؤكد أن أيّ عدوان جديد على أي جزء من هذا المحور سيفتح المنطقة كلها على حرب شاملة ولن تكون هذه الحرب محصورة في الجغرافيا التي يستهدفها العدوان.
هذا الكلام جاء تأكيده في اليوم التالي على لسان السيد عبد الملك الحوثي في اليمن، الذي تحدّث عن أن اليمن لا يغرّد وحيداً في الجنوب، بل هو جزء من هذا المحور الذي يمنع الحرب، وأنهم في اليمن يلتقون مع إخوانهم في إيران وحزب الله وسورية والعراق وفلسطين في رفض الهيمنة الأميركية والعداء لـ”إسرائيل”، مؤكداً أن العدوان سعى بكل إمكاناته إلى قطع علاقات اليمن مع محيطه المقاوم.
وفي المحصلة، تمّ تظهير محور المقاومة في المنطقة رسمياً، على لسان السيّد حسن والسيد الحوثي في آنٍ معاً، وهذا الإعلان ليس وليد مصادفة، لأن هناك عالماً جديداً بدأ يتشكل بالفعل، يصبح فيه هذا المحور قطباً جديداً لا يمكن تجاوزه مطلقاً، لأنه باختصار جزء من المحور الكبير الذي يمنع الحرب في المنطقة والعالم.
طلال ياسر الزعبي