في “أرض السافلين”!
هل تخيّلت، يوماً، أن تجتمع بأعظم مفكري العالم في مكان واحد، كأن تلتقي، مثلاً، بابن رشد وابن سينا وأرسطو وأينشتاين، ليرووا لك، وعن قرب، قصص أسرار الوجود، وجدليات نشأة الكون، ضمن محاكمات عقلية لأكثر المسائل التي شغلت العالم والعلم والتاريخ، من أجل البحث عن “الحقيقة” الضائعة التي كرّس كلٌّ منهم جلّ حياته في سبيل الوصول إليها..
ابقَ في عالم الخيال، وتخيل هذه المرة أنك تمشي تحت برجي التجارة العالميين في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، لترى، وبأمّ عينيك، الطائرة التي ضربت البرجين، لتشعر بهول الحادثة وبالذعر الذي اجتاح العالم من حولك، ولتكون شاهداً على أحداث الحادي عشر من أيلول عام ٢٠٠١، الكارثة الصادمة المريبة التي وقف الكون برمته مذهولاً أمامها، لتخلف وراءها ثلاثة آلاف قتيل وستة آلاف جريح..
لن تنتهي الرحلة هنا، لأنك ستلتقي بمن يكشف لك أدق الأسرار عن هذه الحادثة التي أُشبعت تحليلاً وقراءة، لكنك هنا ستجد ما يلفتك بطريقة عرض الأحداث وربط الحقائق وتفنيدها؛ نظرية المؤامرة، الإرهاب، ما حقيقة ابن لادن ومن أوجده، ما أسرار تنظيم القاعدة، ومن هو المسؤول عن تفجير البرجين، لماذا أفغانستان ولماذا العراق ولماذا الشرق الأوسط، وما الدور الخطير للإعلام في كل ذلك… كلها تساؤلات قد تمتلك الإجابة عنها، لكنك ستكتشف ألغازاً لم تخطر ببالك، قد تُحلّ لك للمرة الأولى.
أما الآن حاول أن تتحرر من كل شيء تخيلته، وأغمض عينيك لتتأمل روحك هذه المرة.. “انظرْ إلى روحك التي بداخلك.. زكها دائماً بكل ما هو زكي.. ولا تدنسها بكل ما هو دنس.. فهذه الروح هي الشيء الوحيد الباقي في هذا العالم بعد أنْ يفنى كل شيء.. روحك الباقية.. فلا تجعلها دنسة.. طهرها اليوم وأنت قادر على ذلك”..
إنّها “أرض السافلين”، بمغامراتها وبمشقاتها ومخاطرها وفرضياتها الغريبة اللامتناهية، عبر محطاتها “السبع” التي تناولت أخطر الصراعات في العالم، فكان لكل محطة أهميتها وأحداثها وأفكارها وهواجسها التي تستحق الوقوف عندها.
أما عن العنوان، فأعتقد أن الكاتب إنما أراد أن يمنح شيئاً من التشويق والغموض والإثارة لكتابه، فرغم سفليّة هذا العالم الافتراضي، ورغم وجود الظلمة والعتمة في كثير من جوانبه وزواياه، إلا أنه احتوى شخصيات وحقائق ومحاكمات عقلية وفلسفية ووجودية وأفكار على قدر من السمو.
الغريب في الكتاب تسميته بالرواية فرغم انتهاج الكاتب نهج الرواية في اختيار شخصياته وبعض سردياته، إلا أن المقومات الأساسية للرواية غابت عن الكتاب، فجاء مفتقراً إلى الحبكة الروائية والعقدة والعوالم الداخلية والتركيب النفسي للشخصيات، حتى السرد، غابت لغة الأدب عنه في كثير من الأحيان، ليصبح أقرب للسرد التاريخي البحثي التقريري.
قد تكون رواية، أوكتاباً بحثياً، ليس مهماً، المهم في الأمر التنوع في القضايا التي تناولها، إضافة لكثرة المعلومات التي قد تعبر بشكل أو بآخر عن وجهة نظر صاحبها، لكنها قد تجعلك تعيد ترتيب أفكارك في كثير من الأمور والقضايا الهامة والحساسة، وتنظر لها من منظور مختلف.
أرض السافلين- تأليف أحمد خالد مصطفى- مؤلف من ٣٩٢ صفحة من القطع المتوسط- صادر عن دار عصير الكتب للنشر والتوزيع – عام ٢٠١٧
هديل فيزو