الخطوة الرابعة في الطريق الإيراني؟
رغم الالتزام الإيراني به، إلا أن مؤشّرات نهايته كانت واضحة منذ البداية، ليس لأن أمده الزمني قد حدد بخمسة عشر عاماً، وليس لأن الاتفاق نفسه لم يحمل من مقومات الاستمرار والإنصاف ما يضمن بقاءه، بل لأن الدول الضامنة فيه لطالما أثبتت، وعبر مواقفها المعلنة والخفية، أنها غير جديرة بالثقة، وأنها لم تأخذ هذا الاتفاق على محمل الأهمية والمسؤولية يوماً، وهو إنما كان اتفاقاً مفخخاً لكسب الوقت فقط، لكن النوايا السيئة والمبيّتة ضد طهران كانت ومازالت موجودة، حتى لو أُجّلت لبعد حين.
الاتفاق النووي، الذي يقضي في جوهره بتأخير برنامج طهران النووي خمسة عشر عاماً، مقابل إنهاء تدريجي للعقوبات المفروضة عليها، لم يتم عامه الثالث حتى أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب منه وفرض أقسى أنواع العقوبات والحظر على إيران، لتبدأ المواجهة بين طهران وواشنطن، وتتحول لمواجهة شاملة تستهدف خنق الاقتصاد الايراني من خلال برنامج عقوبات شاملة في محاولة لإرغام إيران على المطالب الأمريكية تحت التهديد بتوجيه ضربات عسكرية إذا لم تلتزم إيران بالشروط الأمريكية، لتصبح المنطقة برمتها على صفيح ساخن ويرتفع التوتر إلى مستوى غير مسبوق، خاصة في الخليج العربي.
ورغم التحذير الإيراني لبقية الدول الضامنة من مغبة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق والنتائج السيئة المترتبة على ذلك، والتي ستنعكس على الاقتصاد الإيراني نتيحة العقوبات الجائرة، إلا أن هذه الدول أثبتت فشلها في قدرتها على صياغة موقف قوي موحد ضد واشنطن، أمّا “الإنستكس” آلية الحل المزعومة، والنموذج المثالي للفشل والتقاعس الأوروبي، فقد أثبتت عدم جدواها، وأنها إنما كانت نوعاً من المماطلة وكسب الوقت في محاولة لإجبار إيران إلى تقديم التنازلات.
طهران حاولت، وفي كل مرة، فتح الطريق واسعاً للحوار، وأمهلت الدول الضامنة الوقت الكافي لإثبات حسن نواياهم، لكن كل الوقائع والمؤشرات كانت تثبت عكس ذلك، ما دفع بالجانب الإيراني إلى اتخاذ القرار الصعب والبدء بتخفيض الالتزام بالاتفاق النووي، الخطوة الأولى كانت البدء بتخزين يورانيوم مخفض التخصيب أكثر من الحد المسموح به، أما خطوتها الثانية فهي رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تتجاوز النسب التي حددها الاتفاق.
ليأتي التصريح الإيراني مؤخراً بأن الخطوة الثالثة في تخفيض التزامات إيران بالاتفاق النووي مصممة وجاهزة للتنفيذ، وستكون أقوى من الخطوتين الأولى والثانية، حيث ستعمد طهران إلى تطوير وإنتاج الجيل السادس من أجهزة الطرد المركزي بحيث تتجاوز الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي.
الخطوات الإيرانية لخفض الالتزام بالاتفاق النووي تتوالى في طريق طويل وشائك ويحمل من التبعات ما يجب أن يُعدّ له العدة ويكون ضمن حساب وجهوزية الجانب الإيراني، الذي استطاع أن يثبت جسارة وحنكة سياسية برهنت، ورغم كل الظروف، أنها قادرة على الحسم والحفاظ على توازن المعادلة في المنطقة، أمّا السؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما هي الخطوة الرابعة في هذا الطريق؟؟..
هديل فيزو