لماذ “أبل” تصنع أجهزتها في الصين؟
إذا تم النظر إلى الجزء الخلفي لأي جهاز “أبل” مثل “آيفون” أو “آيباد” ستلاحظ وجود عبارة بالإنجليزية تقول “صممته آبل في كاليفورنيا وتم تجميعه في الصين”.
في يناير من عام 2012 نشرت “نيويورك تايمز” تقريرا مدروسا للغاية حاولت فيه الإجابة عن سبب رفض شركات الإلكترونيات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها توطين أنشطتها التصنيعية في الداخل الأمريكي، لماذا؟ أو ما السر؟ لماذا تتركز أغلب أنشطة التصنيع الخاصة بمنتجات “أبل” خارج الولايات المتحدة وتحديداً في الصين؟
وبعد سلسلة من المقابلات التي أجرتها مع مديرين تنفيذيين سابقين وحاليين بالشركة أوضحت الصحيفة أن إجابة تلك الأسئلة سهلة ومباشرة جدا.
ببساطة “أبل” لا تقوم بالتصنيع في الولايات المتحدة لأنه لا يمكنها ذلك حتى لو أرادت، والسبب هو أن الولايات المتحدة تفتقر إلى البنية التحتية وسلاسل الإمداد والقوى العاملة اللازمة لدعم أنشطة “أبل” التصنيعية. لذلك فالأمر يتجاوز فكرة التكلفة المنخفضة بكثير، وفقا لما نقل موقع “أرقام”.
المصنع الصيني الرئيسي الذي تقوم فيه “فوكسكون” التايوانية بتصنيع معظم أجهزة “آيفون” يضم نحو 230 ألف عامل مدرب، وهذا رقم ضخم جداً من الصعب توافر مثله داخل أمريكا.
وفقاً لتقارير نشرت على مدار السنوات الأخيرة يعيش نحو ربع العمال البالغ عددهم نحو 230 ألفاً في مساكن أشبه بمساكن الطلبة موجودة في حرم المصنع، وهذا يعني أن نحو 60 ألف شخص يعملون ويعيشون داخل المصنع، وهو ما يوفر للشركة عنصر السرعة والإنجاز.
يعمل جزء كبير منهم 12 ساعة في اليوم لستة أيام في الأسبوع ويكسبون أقل من 17 دولاراً في الساعة. بالمعايير الأمريكية تعتبر هذه الظروف غير إنسانية بالمرة ولكن في الصين يعتبر ذلك رفاهية تتنافس القوى العاملة عليها لدرجة تجعل “فوكسكون” قادرة على ملء آلاف الوظائف الشاغرة في ساعات.
يشرف على العملية الإنتاجية داخل المصنع نحو 8700 مهندس. ووفقا لتقديرات “نيويورك تايمز” إذا أرادت “أبل” العثور على هذا العدد من المهندسين المؤهلين في الولايات المتحدة لتوظيفهم سيستغرق الأمر نحو 9 أشهر، في حين يمكنها العثور على نفس العدد في الصين خلال 15 يوماً فقط
باستثناء المعالج، يتم تصنيع معظم المكونات المستخدمة في صنع جهاز الآيفون خارج الولايات المتحدة في أماكن تقع بالقرب من المصنع الذي تتم فيه عملية التجميع. وقيام “أبل” بتصنيع تلك المكونات داخل أمريكا وشحنها إلى مصانع التجميع خارج الولايات المتحدة لن يؤدي إلى ارتفاع التكاليف فقط بل وإلى تأخر الإنتاج وهو ما يشكل كابوساً للشركة الأمريكية.
الكثيرون حين يحاولون تفسير سبب لجوء شركات الإلكترونيات الأمريكية بما في ذلك “أبل” إلى نقل أنشطة التصنيع إلى خارج الولايات المتحدة يركزون بشكل كبير على مسألة التكلفة. ففي النهاية يقول المنطق إن صنع جهاز مثل “الآيفون” في أمريكا سيكلف أكثر من صنعه في الصين لأن الضرائب ورسوم التأمين في الولايات المتحدة أعلى وكذلك أجور العمال، وهو ما سيؤثر في النهاية على هوامش الربح الخاصة بالشركات.
إن السبب الرئيسي الذي يدفع “أبل” لصناعة أغلب منتجاتها في الصين هو عامل السرعة والإنجاز. فالأمر بالنسبة للشركة الأمريكية يتعلق بمن يمكنه صناعة أكبر عدد ممكن من أجهزة “آيفون” في أقصر فترة زمنية ممكنة وبأعلى جودة مع الحفاظ على المرونة والقابلية للتكيف مع احتياجات “أبل”. والصين تتفوق على الولايات المتحدة بشكل واضح في تلك الزاوية، وهو ما تأكدت منه “أبل” قبل نحو 12 عاماً.
نعم، “أبل” وغيرها من الشركات الأمريكية تستفيد من التكلفة المنخفضة للتصنيع في الصين، ولكنها في الوقت ذاته لا تستطيع نقل أنشطتها إلى الوطن لأن الولايات المتحدة تفتقر إلى ما تحتاجه هذه الشركات من بنية تحتية وسلاسل إمداد وكذلك إلى الأعداد الكافية من المهندسين والعمال المهرة.