تنحّي الحوار الإعلامي عن منصبه
أمس حدثت مشادة كلامية في إحدى القنوات الفضائية العربية بين مسؤول رسمي ومقدمة أخبار، ورغم أن حديث الضيف لا يتمتع بأي احترام إلا أن الإعلامية استطاعت أن تتميز بانتقاء كلماتها ولغتها وحضورها وتناقش الضيف بكل لباقة، وأوصلت المسؤول إلى حالة من التخبط والاستشاطة غضباً مما أظهره بأنه هو الكاذب، وبإقناع شديد أوصلت المتلقي إلى هدفها من الحوار وتركت له دفّة القيادة. في الحقيقة أن هذا التحاور لم يقلل من حضور الحلقة بل زادها تشويقاً خاصة التزام المقدمة بالاحترام.
فالحوار الإعلامي الصحيح هو استطاعتك أن تدير حواراً بهدوء وحضور، وتكون الحد الفاصل والمهاجم والمدافع في الوقت المناسب خاصة عند الوصول إلى نقطة ساخنة تهدد نجاح الحلقة، وأن تتبع أسلوباً حوارياً ولغة جسد مدروسين جيداً ومحضّرين مسبقاً لتتمكن من توصيل المشاهد إلى هدفك من طرح الموضوع، ويتفرّد روّاد الحوار الإعلامي كل منهم في مجاله، ولا يستطيع المحاور الرياضي إدارة موضوع سياسي أو بالعكس، لكل منهم ما يبرع به من مواضيع فنية أو سياسية أو رياضية أو غيرها. ولا مانع أن تحظى الحوار ببعض الصخب لقتل الجمود والروتين ولا نقصد هنا عدم الانضباط لأن هذه الومضات تشد المشاهد غالباً وتشكلّ مادة إعلامية قويّة مما يزيد من شعبية الإعلامي المحاور والقناة التي يعمل بها.
وفي عبور نحو قنوات فضائية مختلفة قدمت العديد من البرامج الحوارية منها ما يشدنا نحوها بطريقتها العفوية وسهولة لغتها وطريقة عرضها، ومنها ما ننفر منه بقوة بسبب شعورنا بالاستغباء أثناء متابعتها وللأسف أغلب هذه القنوات تخصّنا، وربما لو أن الإعلاميين فهموا أن الحوار الإعلامي هو اكتشاف الآخر والاستفادة من التناقض والاختلاف وعدم قمعه، سيحققون حالة من التوازن الإنساني وبالتالي يصل المشاهد دون أن يشعر إلى الهدف بتقديم المعطيات له وكأنه هو من يدير التحليل.
وحتى الآن وللأسف الشديد، ما زالت المؤسسات الإعلامية تعطي فرصة لأشخاص لا يتمتعون بأي قدرة مهنية وخبرة، بل على الأغلب يستخدمون هذه الحلبة لتزعمهم أو “شوفوني شو وطني”، وكثيراً من اللقاءات الحوارية أفقدت الإعلامي مصداقيته ومصداقية المؤسسة التي يعمل بها.
ولا يمكننا أن نقتنع بفكرة يقدمها أشخاص باتوا معروفين بتملّقهم وسؤالهم أكبر من جواب الضيف بل أحياناً يوجّهون إجابته بطريقة إلقائهم كأن يسأل المقدم ما رأيك بفلان ذلك المنافق المتغطرس الجبان …الخ. هنا يضع الضيف فاصلة ويكمل الجواب بدوره بما لديه من مفردات إضافية، وإذا أحسّ المقدم أنه انزاح عن الطريق الصحيح يعود ليقطع للضيف كلامه ويبرز ثقافته الواسعة. وماهي إلا لحظات حتى يبدأ المحاور بالحوار مع نفسه ولم يعد يسمع غير صوته وطبعاً تنتهي الحلقة بالفشل الذريع ومن المشاهدين الكثير يكونون أصلاً غادروا القناة قبل الختام والهدف من الحوار مازال مشلولاً ولم ولن يصل.
الاهتمام في تطوير الثقافة الإعلامية والمؤسسات الإعلامية شيء هام جداً خاصةً في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها البلدان العربية عامةً وبلادنا خاصةً وسط الخطر المتربص بمجتمعاتنا، والتلفزيون والإذاعة ضيف عزيز في كل البيوت وهما بوصلة للكثيرين خاصة في ظل الأزمات يزيد شغف المتابعة الدقيقة، وحتى نتصدى للممارسات العدوانية ضد البلاد علينا أولاً أن نشكل نواة فاعلة في المؤسسات الإعلامية من المبادئ والأهداف والسلوك الصحيح لتساهم في رفع المعنويات وتشكل وعي وثقة كافية للجمهور المتلقي وهذا يقع على عاتق صنّاع الرسالة الإعلامية وتعاملهم مع الرقابة والقوانين لصياغة مهنتهم بطريقة تعتمد على الرقابة الذاتية أولاًومن ثم الأخلاق بذلك نكون قد أشبعنا الاحتياجات الإعلامية للجمهور وعززنا دوره في المجتمع.
ريم حسن