هل سترفع البطاقة الحمراء لنتنياهو…؟
اعتدنا على مشاهد تمثيلية تقدمها ما تسمى بإسرائيل التي امتهنت طبخ المكائد والدسائس وإخراج المسرحيات بدمىً خشبية وزعتها في العالم، واليوم ها هم يغوصون بأجواء المسرحية الانتخابية ويقدمون لنا فقرات متنوعة ليروجوا على أنهم دولة قائمة بذاتها لديها إرهاب وفساد وأمن وعدل، والبلدان التي احتلوها خير دليل على أمنهم وعدلهم.
ضمت هذه الانتخابات 40 حزباً مشاركاً وقدم كل منهم مرشحه، لتحتدم المنافسة في النهاية بين الليكود وحزب أبيض أزرق، والغريب بالأمر أن حزب الليكود هو من الأحزاب اليمينية التي شكلت الأغلبية في إسرائيل وتبنت رفضها إقامة دولة للفلسطينيين والاعتراف بهم إلى جانب ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وفي الآونة الأخيرة توجه الإسرائيليون كثيراً باتجاه تلك الأحزاب وأصبحت كلمة يسار معيبة في تل أبيب ونجحوا في شيطنة وتخوين اليسار حتى صار مكروهاً، وكأن يسارهم يختلف عن يمينهم من حيث قدر الإجرام.
وبالعودة إلى مراقبة مشهد الانتخابات من بعيد سارع مرشح الليكود بنيامين نتنياهو للاستعراض، وحشد معسكراً يمينياً ضد الفلسطينيين ذاكراً إنجازاته على الصعيد السياسي وتعهد بأن يضم مستوطنات في الضفة الغربية متباهياً بأنه رجل الدولة الأول في إسرائيل، إلى جانب زياراته ولقاءاته مؤخراً مع الرئيسين الروسي والبرازيلي فضلاً عن لقائه بترامب، وأشار ضمن حملته الانتخابية مراراً إلى تطلعاته الخبيثة بخطاباته.
وبدل أن يقابل بالتصفيق والتهليل قوبل بكشف ملفات سرية وفضائح كبيرة جداً لتستخدم في تحطيم أمله الموعود، فكانت هذه الخطوة كانت ثقيلة جداً على مسيرته الانتخابية رغم أنه لا يزال يدعي حتى الآن براءته من هذه التهم.
والكل يعلم من هو رئيس الوزراء نتنياهو، إنه السباح المحترف في مستنقعات سياسات اسرائيل الإجرامية، بعد توليه أحد عشر منصباً قبل أن يصل إلى منصب رئيس الوزراء الذي قبع فيه ثلاثة عشر سنة، لكنه يحاصر الآن بفضائح طالت زوجته وابنه وحتى كلبته، وأصبح محط أنظار الجميع في كل خطوة يخطوها.
وعبر مسيرته السياسية والكشف عن أخطائه وأخطاء أفراد عائلته تبين أن هذه الفضائح ليست حديثة العهد، فمنها ما يعود إلى ما قبل عشر سنوات حين كان رئيساً للوزراء، وما يثير العجب بحق أنه رغم وجود أشخاص امتهنوا التجسس في كل مكان وشكلوا شبكة واسعة من الملاحقات والاستخبارات طالت شخصيات كبيرة في العالم، إلا أن هذه المعلومات غابت عنهم أو مرت دون أن يلحظها أحد منهم! كما أن النائب العام لم يقر بالتهم الموجهة لنتنياهو، ورفض مطلب نتنياهو ببث المحكمة علناً معتبراً أن الجلسة تهدف إلى إقناع الهيئات القضائية وليس إقناع الجمهور.
وربما تقدم حزب أزرق أبيض بمرشحه غانتس على حزب الليكود بسبب هذه الفضائح، رغم ابتعاده عن الأحزاب الدينية التي تتحكم وتبتز وتملي أوامرها على الحكومة الإسرائيلية، عداك عن أنها الأحزاب التي اتكأ عليها نتنياهو لمواجهة مخاوفه من انتهاء حياته السياسية، وتميز “أزرق أبيض” عن الأحزاب اليمينية بنيته وسعيه لإبرام السلام مع الفلسطينيين دون المس بمصالح إسرائيل الأمنية وأبدى استعداده لتقديم تنازلات عن أراضٍ فلسطينية لكنه تحاشى الحديث عن مسألة قيام الدولة الفلسطينية، وهذه سياسة أكثر خبثاً من سياسة حزب الليكود لما تحمله في طياتها من أهداف مبطنة من احتلال للفلسطينيين بطريقة جديدة وحقن لأفكارهم الشيطانية في عقول الفلسطينيين بأنهم دعاة سلام وليسوا دعاة حرب.
في النهاية، غانتس منافس قوي جداً وخصم لا يستهان به، ومن الواضح أن لم يعد بوسع نتنياهو البقاء في السلطة إلا بتقاسمها مع غريمه عبر تشكيل حكومة يتناوبان عليها، وعند تقاسمهما سيشكلان حكومة موحدة تضم الطرفين يعني “ضربة عالحافر ضربة عالنافر” مرة بالترهيب ومرة بالترغيب، كما من الواضح أيضاً أن الأحزاب الدينية لها تأثير قوي على القانون الانتخابي والساحة السياسية، ما يجعل هؤلاء المرشحين يتدافعون في المزايدة على اتباع السياسات الأكثر تطرفاً حيال الفلسطينيين والأشد محافظة في الداخل إرضاءً للقوى الدينية.
ينبغي أن ننتبه لهذا المشهد الكبير ونلاحظ إلى أين ستصل هذ التغيرات المفاجئة بالبنية السياسية الإسرائيلية وقد حفظنا تاريخهم عن ظهر قلب وحضرنا تنافسهم على الإجرام بالعرب، ومن يتمكن من أن يكون قائد أكبر مسيرة وحشية هو من سيظفر بالمنصب.
ومازال مسلسل الانتخابات مستمراً بعد إعادتها للمرة الثانية وهناك احتمالية لمرة ثالثة أيضاً، فهل يعلنون تلك الفضائح بهدف تغيير سياستهم التي بتنا نعرفها جيداً؟ وهل كل هذا الضجيج لأن الحكومة تريد التخلص من كادرها القديم ونتنياهو أولهم، أم هو مجرد إعلان عن أسلوب جديد أكثر خطورة…؟
ريم حسن