من العدو القريب الى العدو البعيد.. كيف سيتتحول وجه “داعش”!
تَمَثلَ العدو البعيد في استراتيجية تنظيم ” داعش” الارهابي لسنوات طويلة في دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وكان من المقرر نظرياً أن يتم استهدافهم كمرحلة لاحقة، بينما كان العدو القريب بالنسبة للتنظيم الارهابي يتمثل في الدول العربية والاسلامية -التي خالفت في الحقيقة الارادة الأمريكية- الحقيقة التي حاول التنظيم وأميركا إخفاءها وتظهير الأمر بصيغة تحالف وهمي حارب ارهاب “داعش” وأثبتت الوقائع زيف هذا الادعاء.
لكن اليوم لم يعد متاحاً لـ “داعش” قتال الدول العربية والاسلامية التي شكلت في مرحلة ما هدفاً مباشراً له، كونها حسب زعمه تمنع وصوله الى حلم إقامة “دولة الخلافة”، فالوضع إختلف جذرياً، ولم يعد للتنظيم تواجد على الأرض.
وأمام هذا الواقع يمكن رصد التحول الكبير في استراتيجية التنظيم القتالية، عبر رؤية ما نفذه من عمليات العمليات أمنية عبر تاريخه الاجرامي، ومنها إسقاط الطائرة الروسية فوق أراضي سيناء بمصر، مروراً بتفجير برج البراجنة في جنوب بيروت، وصولاً إلى هجمات باريس، ووفقاً لهذه المتغيرات التي حدثت فى استراتيجية التنظيم يمكن القول أن العدو البعيد أصبح هدفاً له الأولوية.
وتبدو اسباب ذلك ومؤشراته متمثلة بالبدء بتجنيد المقاتلين في بلدانهم، والوصول إلى المجندين في أراضيهم، مستندين في ذلك إلى إذكاء الروح الانتقامية لدى المقاتلين بدعوى الانتقام من الدول المشاركة في “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب”، وهنا يمكن أيضاً ربط الاستراتيجية التي يتبناها التنظيم مع بروباغاندا مكافحة الارهاب التي قادتها الولايات المتحدة، والتوجه الامريكي لادارة ترامب نحو الداخل، ما يشي بضرورة البدء بتوجيه الارهاب نحو الداخل أيضاً.
وتساعد عودة مجندي تنظيم “داعش” إلى بلادهم، على تطوير وتغذية الاستراتيجية الجديدة وتمكينها وبالتالي تغيير وجه “داعش”، فكلما خسر التنظيم أرضا في سورية والعراق، كان مقاتلوه الأجانب يفرون إلى بلادهم (وهنا نسأل كيف ومن أين مروا إلى أوروبا في طريق عودتهم؟) وهذه العودة تمثل تهديداً كبيراً على الدول الأوروبية، فبعض الدواعش سيسعون لتجميع صفوف تنظيمهم من أجل الانتقام من بلادهم إما بتنفيذ عمليات منفردة، أو عمليات منظمة في حال وجدت البيئة المناسبة لذلك، يساعد على ذلك وصول عدد من المقاتلين الذين يحملون جنسيات أوروبية الذين بدأوا فى العودة إلى بلادهم لحوالى 8500 شخص، بحسب تقارير إعلامية.
وحسب الظاهر فان استراتيجية داعش فى استهداف العدو البعيد وتوسعها الدولي باتت واقعاً فهي تتوسع في ليبيا، وتقيم خلايا نائمة فى كل من تركيا ولبنان لزعزعة الاستقرار في أي لحظة، والتركيز على استهداف الغرب من خلال قسم العمليات الخارجى الذى أنشئ حديثاً.
ويبدو أن التنظيم قد يعتمد على تكتيك مختلف لكل دولة لديه عناصر بها، ففى أمريكا سيعتمد على مخاطبة الأمريكيين المضطهدين نتيجة العنصرية، ومخاطبة السود من أجل تشكيل خلايا عنقودية، وقد ظهرت اضطرابات تؤشر على ذلك، كعملية الهجوم على معرض رسوم في مدينة غرلاند بولاية تكساس الأمريكية، وفيالهجوم على معرض رسوم في مدينة غرلاند بولاية تكساس الأمريكية، وفي فرنسا وبريطانيا حيث من الممكن أن يعتمد التنظيم على المهاجرين العرب والأفارقة الذين يشعرون بحالة من الاغتراب فى الدول الأوروبية.
ان التحذيرات السورية الدائمة من ارتداد الارهاب الى داعميه والذي وجهته للدول الراعية للإرهاب والتي سهلت عمله ودعمته سياسياً ومالياً وعسكرياً، وتلك التي عملت على إضعاف الدولة السورية لصالح التنظيمات الإرهابية تحت حجج انسانية وحجج دعم الديمقراطية، كانت تحذيرات مستندة إلى فهم عميق لحقيقة تلك التنظيمات، ودورها، وطريقة إنشاءها -المتشابهة في معظمها-، ورعاية عملها وتنقلات عناصرها، تلك الرعاية التي كانت أمريكية في معظمها، ولا يغيب عن الأذهان الإعتراف الأمريكي لهيلاري كلينتون في كتابها “خيارات صعبة” بأن أميركا من أنشأت “داعش” لاستثماره في تقسيم الشرق الأوسط، ناهيك عن الشغف الأمريكي في السيطرة على الدول وفرض هيمنتها حتى على أوروبا.
حرمان التنظيم من التواجد على الارض في سورية والعراق وخسارته لقدراته على السيطرة الجغرافية، ومحاربة العدو القريب، دفعته للتحول الى اثبات وجوده في غير مكان في العالم، ربطاً بالرعاية الأمريكية له ولعائلات مقاتليه التي ظهرت مؤخراً في سورية والعراق، تلك الرعاية ستصرف في مكان ما في العالم فالأمريكي اليوم يعمل على استثمار كل شئ حتى الإرهاب.
بلال ديب