الفن التشكيلي إبداع عظيم.. والخسارة فيه أعظم
” كسب المال فن، العمل فن، أما إبرام الصفقات فهو فن كبير”
هذه مقولة شهيرة للفنان أندي راوول، والذي وصلت لوحاته العالمية بتمويل من المليونير جوزي المغربي الذي اقتنى أكثر من 800 قطعة من تحفه.
ولأن كل إنسان لديه مهنة يمتهنها لكسب المال، فإن الفن التشكيلي ليس ببعيد عن هذا الأمر والفنان بأمس الحاجة إلى بيع لوحاته التي قضى فيها ربما أيام أو شهور أو سنوات مقابل أسعار مالية يحددها بنفسه، لكن بالنظر إلى السوق لا نجد مكاناً للفنانين، معظمهم اصطفت لوحاتهم دون جدوى، وللأسف قلة قليلة جداً لدينا ممن امتهنوا دعم الفنانين التشكيليين السوريين
البعث ميديا التقت بمجموعة من الفنانين ليوضحوا لنا عن بعض هذه الأمور
تسويق الفن موضوع يحتاج النظر فيه
وضح الأستاذ عماد كسحوت مدير الفنون الجميلة بوزارة الثقافة، حول تسويق وزارة الثقافة للوحات الفنان السوري قائلاً:
“قدمنا خدمات للفنان السوري وأقمنا المعارض المتعددة، منها معرض الخريف والربيع إلى جانب الملتقيات الخاصة كخطوة أولى على سلم نجاح الفنان، ولنترك بين يديه وسيلة حتى يكمل المسيرة خاصة أننا في كل معرض نقوم باقتناء لوحات معينة مع مبلغ مالي أو مكافأة وشهادة تكريم كشكر وتشجيع على مبادرته بالمشاركة”
الفن صريع الحالات المتقلبة في المجتمع
بالرغم من أن وزارة الثقافة واتحاد الفنانين التشكيليين قدموا الدعم بما لديهم من إمكانيات متواضعة، لكن ما يزال هناك نواقص يحتاجها الفنان سواء منهم أو من المجتمع، خاصة أن الفن ليس له أعمدة يستند عليها فهو دائما صريع الحالات المتقلبة في المجتمع.
ويقول كسحوت ” قبل الأزمة كانت الناحية المادية بالنسبة لما تقدمه وزارة الثقافة أعلى بكثير لدعم الفنان واقتناء لوحاته، خاصة أن اللوحة تتأثر كثيراً بالحروب لأن اقتناءها يعد غالباً أقرب للرفاهية، وبما أن الوضع الاقتصادي صعب فذلك يعني أن هناك أولويات تصبح أهم بالنسبة للمجتمع”
وتابع كسحوت ازداد إنتاج الفنانين التشكيليين في ظل الحرب وندر الشراء والطلب مما أوقع الفنانين في أزمة مالية، وأجبر غالبهم على السفر خارج القطر للبحث عن لقمة العيش.
الأستاذ يوسف ناصر أمين سر اتحاد الفنانين التشكليين تحدث لـ “البعث ميديا” في نفس السياق وقال: “الإنتاج مازال مستمراً خاصة في فترة الأزمة بسبب ظهور عدة مواضيع وأحداث ولدت أفكاراً جديدة”.
فشل التواصل بين الفنان والمتلقي
قلة هم من يقتنون اللوحات في منازلهم وربما يندر من يقتنيها ويعزو البعض ذلك إلى ثقافة تضع الفن بالمرتبة الأخيرة في الحياة، بل بعضهم يعتبره كفقاعة هوائية لا أثر لها رغم أنها تلفت الأنظار دون شعور في أماكن تواجدها وتستوقف الكثيرين لوحات جميلة جداً وتمسهم من أعماقهم لكنهم بعيدون عن اقتناءها لعدم قناعتهم بضرورة هدر ليرة سورية واحدة على شرائها.
ويقول كسحوت: “في كل المعارض الخاصة التي أقامتها وزارة الثقافة اقتنينا لوحات عديدة، وحاولنا أن يكون المجتمع المحلي والقطاع الاقتصادي رديف لنا، ولم تحصل استجابات تذكر من المؤسسات.
ويركز كسحوت على وجود قطيعة واضحة بين المتلقي والفنان، وعلق على ضعف الاهتمام بحصص الرسم في المدارس واقامة رحلات للأطفال إلى المعارض الفنية و تعويدهم على مشاهدة اللوحات الفنية وتشجيعهم عليها وهذا يقع على عاتق المؤسسات التعليمية وزارة التربية والتعليم العالي”
ويدعم أمين سر اتحاد الفنانين التشكليين فكرة قلة عدد المقبلين على شراء اللوحات الفنية، بسبب ثقافة المجتمع، ويضيف نحن نفتقد للأعمال الفنية في المدارس والأبنية الحكومية والفنادق والأماكن السياحية والجهات الرسمية”.
هذه الأسباب خلقت حالة من الفوضى في نفس الفنان، فلم تعد قوة العمل وندرته هي المهم وطغى منطق السوق فانجر بعض الفنانين للدخول إلى عالم التجارة وليس الإبداع.
من يقلب المعادلة في سوق الفن
يقول كسحوت: ” حاولت وزارة الثقافة تشجيع الفنانين ولكن بالنهاية كلٍ حسب عمله، والفنان النشيط يكد ويتعب حتى يصل ونقدم له التسهيلات ونقتني لوحاته، ونقدم الدعم من طباعة بروشورات وبوسترات وصالة عرض مجانية، ويضيف هناك فنانين كبار وقدامى بيعت لوحاتهم بالملايين لأن لديهم تاريخ وإرث فني كبير حتى أنهم بدؤوا من الصفر ”
ومع الاعتراف بصحة بعض ما قاله إلا أن العديد من الفنانين كان سبب نجاحهم يكمن في بناء شبكة علاقات ودعم رجال أعمال استخدموا الفن كبورصة لهم واختاروا فناناً معيناً للتسويق لصفقاتهم.
وكان للأستاذ محمود جوابرة عضو مكتب تنفيذي في اتحاد الفنانين التشكيليين رأيه حيث ربط مسألة السعر بمفهوم أقرب إلى البورصة، فليس من الضروري أن تكون اللوحة مرتبطة بقيمتها الفنية، إنما قد تكون ضحية تنافس رجال الأعمال، ومن يقع عليه الاختيار من الفنانين يتم احتكاره وتسلبط الضوء على أعماله ويغدقون الأموال للترويج والتسويق في معارضه الفنية”.
كان للصالات الخاصة أثر في التسويق واعتمدت آلية محدودة جداً وساهمت بدعم الأعمال التي تعرض تحت كنفها.
وهو ما أكده جوابرة بالقول: “خسرنا صالات مهمة جداً أثناء الحرب خاصة أنها اهتمت بالتسويق وكان لها دور مهم جداً هي صالة أتاسي وصالة أيام ومازال هناك صالات خاصة مستمرة لكنها ليست بمستوى هاتين الصالتين”
ضعف الداعم الأساسي للفنان
رغم انتساب الفنان التشكيلي إلى اتحاد الفنانين التشكيليين الا أن هذا الاتحاد غير قادر على تقديم دعم مادي قوي رغم محاولاته المتواضعة، فهو بالكاد يستطيع منح رواتب للتقاعد لأن معززاته فقيرة جداً ولا تليق به، ويحتاج إلى مصادر تمويل تساهم في تطويره بشكل حقيقي، وربما كان هذا الواقع سبب في وقوع الفنان في شبكة رجال الأعمال وفي مهب النصب والاحتيال، الاعتماد على التسويق الخارجي.
ويبقى التساؤل هل فكرنا فيما لو استثمرنا الأعمال الفنية كم سيعود علينا من الفوائد؟ خاصة أن الفن السوري مطلوب بشدة، وإلى متى سنراقب الفن وهو يحتضر ونحن نملك فنانين لديهم أياد من ذهب؟.
ريم حسن