ثقافة الحياة تنتصر عارية اليدين
قاعدة (أفيميم) الصهيونية والتي تقع على الحدود بين جنوب لبنان المحرر والأرض المحتلة، فارغة تماما من وجود أي جندي صهيوني فيها حتى اليوم، رغم بقاء الأسلحة الثقيلة فيها!
تلك القاعدة التي تُحصنها قلاع مشيدة من الدبابات والمدرعات والمدافع وغيرها من أفضل أنواع الأسلحة الحربية في العالم، ما من أي صهيوني فيها، وما يوجد في تلك الآليات كما بيّنها أحد التقارير الإسرائيلية المصورة، والتي عرضته العديد من شاشات العدو، لم يكن سوى دمى على هيئة بشرية؛ ما من حياة هناك إلا للأشباح!
قرب هذه القاعدة استهدف منذ مدة رجال المقاومة بالصواريخ، آلية حربية صهيونية بمن فيها، وهذا لوحده كان كفيلا بأن يهرب كل من كان موجودا في المكان كله، من ضباط برتب مختلفة وجنود مُدججين بالخوف، حتى أن مراسلة إحدى المحطات الفضائية قامت حينها بتقديم تقرير على الهواء مباشرة في القاعدة العسكرية الفارغة تماما، ببساطة دخلت بالكاميرا، نقلت وعلى الهواء مباشرة، صور وأصوات الرعب، تلك التي بقيت عالقة في الهواء، بينما جنود العدو يهيمون على أوجههم هاربين، مهزومين، منكسرين، والخوف يفت اكبادهم، بينما قلوبهم تسابق سيقانهم في الهرب.
قاعدة عسكرية من أهم قواعد الكيان الصهيوني في شمال فلسطين المحتلة، وهي من القواعد الأساسية التي يُعول عليها في رد اي هجوم على هذا الكيان، لم تقدر أن تحتمل بكل ما فيها من عتاد وجنود، ٣ صواريخ من نوع “كورنيت”، فولى الجميع أدباره من القاعدة المذكورة ، رغم أنها مجهزة عسكريا كما سلف بأحدث وأقوى أنواع الأسلحة في العالم، والتي تُمكنها من شن هجوم شامل على المنطقة، بل وتستطيع بتقنياتها العالية وقوة نيرانها، أن تمحو مناطقا بأكملها، نظرا لقوتها التدميرية التي تَصفها مجلات عالمية متخصصة بشؤون السلاح فقط، بكونها قادرة على تحقيق التدمير الشامل، فوق الأرض وتحتها، وهذا تم بعد أن أعطت أمريكا ربيبتها إسرائيل أسلحة خارقة حتى هي لم تستخدمها لحدّ اللحظة، كأحدث الطائرات الأمريكية وأكثرها قوة مع طياريها المهرة أيضا، لكن كل هذا جعلته ٣ صواريخ كورنيت كالعصف المأكول.
ما يؤكد بأن كل تقنيات العالم، حقها بسوق “الغلا ” فرنكات كما يقال، أمام مقاتل لديه الحرب عادة، يؤمن بأن كرامته من الله هي الشهادة، ومن لديه هذه الثقافة، لا سلاح في العالم يقدر عليه ولو كره الكارهون.
إنها ثقافة الموت لأجل الحياة، ثقافة الكرامة ورفض الذل بل وكسر شوكته، وهي أقوى وأهم من كل تقنيات الأسلحة المتطورة.
ثقافة الموت لأجل الحياة، هي ثقافة مقدسة، أمثالها في التاريخ عديدة، كما فعل السيد المسيح، عندما ضحى بحياته كرمى ثقافة المحبة التي جاء بها، أيضا نوم الإمام علي بن أي طالب في فراش النبي محمد، مضحيا بحياته أيضا كُرمى ثقافة التسامح والمحبة التي جاء بها الرسول العربي للعالم، وحولها أعداء الحياة بعد رحيله إلى كل ما ينافيها بل وينسفها، ومن قرأ ديوان التاريخ بعقل منفتح، سيعرف أن (الإسلام) الحق، لا علاقة له بالإسلام الذي صنعته بريطانيا، والذي هو شكل الإسلام في العالم اليوم، حيث استطاع اعدائه تشويهه وجعله مرتبطا بالقتل والخوف والرعب، بالطرق التي صار الجميع يعرفها، هذا التشويه الممنهج لهذا الدين، ابتعد عن كتاب الله وهجره، ليصبح إسلاما ثقافته التي تمّ تصديرها، هي القتل والذبح بين المسلمين أنفسهم، والعمل الحثيث على نسف ثقافة الحياة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد، بعد أن كان كل حرٌّ بدينه طالما أنه لا يؤذي حتى الطريق ” إماطة الأذى عن الطريق”، ونسف هذه القيّم بفتاوي جاهلة ومقيتة خدمة لكل معاد للإسلام الحقيقي وعلى رأسهم رأس الأفعى إسرائيل لإدراكها قوة اجتماع أهله عليه، وهذا وإن كان خروجا في بعض الجوانب عن الموضوع مباشرة إلا أنه مرتبط بجوانب منه، فكما سلف الإسلام ثقافته الحب والرحمة، ورسالته إتمام مكارم الأخلاق، وهذا ما سيعمل العدو على ضربه، فما صنعته المقاومة، أحد أهم عناوينه، هو أنها كما العادة، نسبت نصرها إلى كل عربي ومسلم، وما فعلته ثقافتها، لهو إعجاز، فكيف بما يفعله جيش البلاد الواقف كالرمح من سنين طوال، دون أن ينحني إلا للحق والخير والجمال، جوهر الحياة كما يصفه كبار الفلاسفة في التاريخ.
كل تلك السنون التي مرت منذ اكثر من نصف قرن، لم يستطع فيها الكيان الغاصب، أن يُقنع مواطنيه بأنهم أصحاب هذه الأرض، وإلا لما هربوا كحمير مستنفرة هاربة من قسورة، عند أي امتحان حربي لهم.
هذه البلاد لها أصحاب حقيقيون لا يتركونها ولا يلوذون بالفرار منها حتى ولو كانت تشتعل، وهذا على ما يبدو ما لا يفهمه الصهاينة، كما أنه السبب الحقيقي لبقاء راية الحياة ترفرف فراشاتها بزهو ألوانها، ومن الرحيق الذي ستحمله برقيق اجنحتها من ورود الخلود، ستندلع الحياة بكامل رونقها من بين الانقاض.
حروب الكرامة والحق، لن تربحها كل تلك الخردة المدمرة، من سيربحها صاحب الحق حتى ولو كان عار اليدين، فالرب واحد، والحياة موقف بالتأكيد غير ملون، والعبرة لا تكون إلا لمن يرغب فعلا أن يَعتبر.
تمّام على بركات