دراما لبنانية على الهواء مباشرة
كان من المُفترض أن يكون الشهر الجاري فرصة درامية لكثير من شركات الإنتاج، والعديد من المشتغلين في المسلسلات التلفزيونية، فبعد الانتهاء من زحمة رمضان الدرامية، الموسم الذي تُعرض فيه عشرات المسلسلات التلفزيونية، تأتي فترة استراحة للجمهور ولصناع المسلسلات، قد تمتد من شهر إلى شهرين، ثم تبدأ فترة إعادة عرض تلك المسلسلات، وهنا يجد الجمهور فرصة لمشاهدة مسلسل ما فاته، وقد يكون سمَع عنه خيرا، ولكن مسلسلا لبنانيا من نوع مختلف، يعتمد تقنية “تلفزيون الواقع”، ظهر منذ بضعة عشرة يوما، قد خطف الأضواء، وحاز على كل الجمهور بأنواعه، واصبح الأول في نسب المشاهدة دون منازع.
المميز في هذا المسلسل أنه يحتوي على أعداد كبيرة من الكومبارس، يطلقون أمام الكاميرا شتائما يندى لها حتى جبين الحجر، هم غاضبون في “المسويات”، وبعد بضع الساعات يشربون النرجيلة بسرور، يتحدثون عن الفساد، الوحدة الوطنية، المال المنهوب، إسقاط الطائفية السياسية، وفي نفس الوقت يطالبون بتشريع “حشيشة الكيف”؛ ينددون بالفقر، وهم على ما يبدو لا يشتغلون، يتحدثون عن البطالة، ويبدو انهم غير منزعجين منها، يصرخون ضد القمع، بينما الجيش يحيط فيهم ويحرسهم، ومن حين لآخر يفض اشتباكات بينهم، في سابقة خطيرة على المظاهرات؛ لقد اعتدنا في المظاهرات أن نشاهد، صداما بين متظاهرين وخراطيم ماء، وليس بين متظاهرين من طرف ومتظاهرين من طرف آخر.
وبعد عدد من اللقطات بـ “الدرون”، تنتقل الكاميرا إلى أخذ حوارات، وسماع آراء من بنات وشباب، فيتكلم أحدهم أو إحداهن بثقة وبلهجة العارف عندما يقول أو تقول، لكن ما يصدر عنهم وهم في قمة انفعالهم، ليس إلا احتجاج فتى في مقتبل العمر على أبيه لأنه لا يسمح له بالنوم خارج البيت.
وكثيرا ما يتدخل مخرج المظاهرة، من خلال المذيعة، لتذكير الشخص بأهدافه وطموحاته ونظرته إلى الحياة والمجتمع، وماذا يفعل هنا حتى وقت متأخر، وقد تدخل تلك المذيعة النشيطة في وصلة مديح للحدث الذي تنقله، في حالة من التماهي العجيب والفريد من نوعه، بين الأعلام وبين الحدث، إلى درجة أنه –أي الأعلام-طالب بالحدث!
الطريقة الرائعة في اخراج الـ “ريل شو”، تستعمل المونتاج بتقسيم الشاشة، على ست ساحات أو شوارع، وهناك بضع أشخاص يقفون في كل شارع، وهكذا ينزل الناس للفرجة، وهكذا يكتسبون الزبائن شيئا فشيئا، وبهذا يحققون بعض الازدحام المروري، فيصبح العرض الدرامي في الذروة.
ما يحدث لدى ثوار الشامبو، يُعيد للأذهان أن تقنيات تصويرهم، تشبه إعلانات مواد التجميل، وتصوير حفلات الغناء، وهذه نقطة الضعف الوحيدة في العرض إذا أردنا أن نتحدث من وجهة نظر درامية؛ الذين استأجروا المصورين لهذه المظاهرات، كان يجب عليهم، أن يعثروا على مصوري أفلام، وليس مصوري فيديو كليب، لأنهم عل ما يبدو أنهم جلبوا معهم نفس الشخصيات أيضا.
بعد الاستماع لأيام عديدة لما يقوله هؤلاء من عُمر هذه السياحة الدراميّة، ليس بوسع المرء إلا أن يذكر بيت شعر، يقول: ” أنهم والماء من حولهم قوم جلوس حولهم ماء”!
تمّام علي بركات