عندما يصبح الأشرار أبطالاً!
لعقود مضت أغرقتنا هوليوود بأفلام الأبطال الخارقين، المخلصين، المحررين، المدافعين عن الإنسانية.. ولكن يبدو أن تلك الأفلام لم تعد تستهوي عشاق السينما وتلبي احتياجاتهم المتغيرة على الدوام.. ونتيجة لذلك شاهدنا توجهاً جديداً للفن السابع، حيث أصبح أشرار الأمس أبطال اليوم..
على مدار السنوات السابقة، سواء في السينما أو التلفزيون، رأينا تكريسا واضحا لهذا المفهوم، وإعادة تشكيل للقوالب القديمة، وصارت الشخصيات المفضلة لدينا، هي تلك الخارجة عن القانون، المحتالين والسارقين، القتلة المحترفين، تجار المخدرات، المختلين عقليا، وحتى الجواسيس، وذلك بعد إضفاء بعض الرتوش الإنسانية عليها.. نتابعها بحماس ونترقب ما ستفعله ونتعلق بها، نتشوق لمخططاتها ونراقب تطوراتها، ننفعل لانفعالاتها ونحزن لموتها..
الـ New Villains أو الأشرار الجدد، تخلصوا من تلك التشوهات الشكلية والمظاهر المبالغ فيها، التي كانت منفرة في البدايات، واستبدلت بوجوه وسيمة وكاريزما ساحرة وطلة مبهرة وعناصر جذب عديدة، فما كان يثير مشاعر سلبية في نفوسنا لم يعد كذلك.. صناع السينما نسجوا ماضي شخصياتهم الأليم ومعاناتهم، وعرضوا قسوة المجتمع الذي لم يتقبلهم، وخيانة أقرب الناس إليهم، كل هذا ليبرروا أفعالهم الحاضرة ويكسبوا تعاطفنا معهم، ولن نبالغ إذا قلنا ومحبتنا أيضاً…
لعل أبرز مثال يوضح ذلك فيلم الجوكر، الذي تصدر شبابيك التذاكر للأسابيع الماضية، عدو بات مان الأول، مخرب غوثام، لم يعد كذلك في نظرنا.. هو الآن الشاب، آرثر فليك، الذي يستجدي الحب من الجميع، يسعى وراء حلمه ويحاول تحصينه من نظرة المجتمع وسخريته، المرفوض من قبل والده والمصدوم مما أخفته والدته، وكل هذا أوصلنا في الختام إلى الجوكر الذي نعرفه…
وحتى الأشرار الذين اعتدنا أن نمقتهم في صغرنا تحولوا الآن، في حبكة جديدة، وانقلبت أدوارهم.. فلم نكن نتخيل أن نغفر لسيدة الشر ماليفيسانت لعنتها للأميرة، أو أن نتعاطف مع الملكة الشريرة التي تعرضت للأذى من قبل سنووايت، وأن يكون الكابتن هوك هو الذي يحاول النجاة من بيتر بان ورفاقه الضائعين، وغيرها من الأمور التي قلبت كل الموازين التي عرفناها سابقاً..
هذا التوجه الجديد في السينما، وتغير صورة الشر في أذهاننا، وتوحدنا مع شخصيات الأشرار أو الفتيان السيئين، إن صح التعبير، يعد خطيراُ نوعاً ما، إذا ما أخذنا بالحسبان أن الشريحة الأكبر من متابعي تلك الأفلام والمسلسلات هم من المراهقين، الذين قد يقتدوا بنجومهم المفضلين، خاصة وأن الوجوه المعروفة والمشهورة هي غالبا من تجسد تلك الشخصيات، ويبرروا أفعالهم الخاطئة وأعمالهم غير القانونية فقط ليهربوا من واقعهم وتجاربهم المريرة..
وإذا عممنا ذلك على المجتمع، فإن تبرير القتل والعنف بماضٍ مأساوي ومعاناة أليمة، سيفضي إلى انتشار الجرائم ويتحول الجميع إلى مخربين وسفاحين، وتغيب القيم الأخلاقية والضوابط الاجتماعية..
الآن هذا هو التوجه المتبع، ولا نعرف ما ستكون عليه حال السينما في السنوات المقبلة، فهي تتطور باستمرار وتبدع كل مرة في خلق أفكار جديدة، لجذب الجمهور الملول والمتعطش لكل ماهو فريد ومميز، والناقد القاسي الذي لم يعد بالإمكان الاستخفاف به وتقديم أي محتوىً له..
رغد خضور